الزبيـر بن العوام.. حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
» إن لكل نبي حواريّاً، وحواريّ الزبير بن العوام«
الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ( قصي بن كلاب (كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين. كان رفيع الخصال عظيم الشمائل، يدير تجارة ناجحة، وثراؤه عريض لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مديناً.
الزبير وطلحة
يرتبط ذكرالزبيـر دوماً مع طلحة بن عبيد الله، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين، وحتى مصيرهما كان متشابهاً؛ فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه، وتحدث عنهما الرسول قائلاً «طلحة والزبيـر جاراي في الجنة»، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته.
أول سيف شهر في الإسلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام، وقد كان فارساً مقداماً، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام؛ ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قُتِل، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة كالإعصار، وفي أعلى مكة لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله ماذا به؟ فأخبره النبأ، فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب.
إيمانه وصبره
كان للزبير رضي الله عنه نصيباً من العذاب على يد عمه، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه: "اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب"، فيجيب الفتى الغض: "لا والله، لا أعود للكفر أبداً". ويهاجر الزبير إلى الحبشة الهجرتين، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
غزوة أحد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعاً إلى مكة، ندب الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير وأبوبكر لتعقّب جيش المشركين ومطاردته، فقاد أبوبكر والزبير رضي الله عنهما سبعين من المسلمين قيادة ذكية، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين.
بنو قريظة
وفي يوم الخندق قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟» فقال الزبير: "أنا" فذهب، ثم قالها الثانية، فقال الزبير: "أنا" فذهب، ثم قالها الثالثة، فقال الزبيـر: "أنا" فذهب، فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: « لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي»
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول صلى الله عليه وسلم، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الزبيـر وعلي بن أبي طالب، فوقفا أمام الحصن يرددان: "والله لنذوقن ماذاق حمزة، أو لنفتحن عليهم حصنهم"، ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن، وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه.
يوم حنين
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر (مالك بن عوف) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة، أبصره واقفاً وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة.
حبه للشهادة
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة، فهاهو يقول: "إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون".
وهكذا سمى ولده "عبد الله" تيمناً بالشهيد عبد الله بن جحش، وسمّى ولـده المنـذر تيمناً بالشهيد المنـذر بن عمـرو، وسمّى ولـده عـروة تيمناً بالشهيد عـروة بن عمـرو، وسمى ولـده حمـزة تيمناً بالشهيد حمزة بن عبد المطلب، وسمّى ولـده جعفـراً تيمناً بالشهيد جعفر بن أبي طالب، وسمّى ولـده مصعباً تيمناً بالشهيد مصعب بن عميـر، وسمّى ولـده خالـداً تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد. وهكذا أسماهم راجياً أن ينالوا الشهادة في يوم ما.
وصيته
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلاً: "إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي". وسأله عبد الله: "أي مولى تعني؟" فأجابه: "الله ، نِعم المولى ونِعم النصير". يقول عبدالله فيما بعد، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه.
موقعة الجمل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير وطلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعاً- وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: "يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟" ثم قال للزبير: "يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، ألا تحب علياً؟؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني، فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"، فقال الزبير: "نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لاأقاتلك".
وأقلع طلحة و الزبير رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمناً لانسحابهما، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدراً وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته.
الشهادة
لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله، وسارع قاتل الزبير إلى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه، لكن علياً صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلاً: "بشّر قاتل ابن صفية بالنار". وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبّله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول "سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله".
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما، ودعهما بكلمات أنهاها قائلاً: "إني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}، ثم نظر إلى قبريهما، وقال: "سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «طلحة والزبير، جاراي في الجنة»
.