ضواء القمر

أهلا بك أيها القادم إلى ضواء القمر

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ضواء القمر

أهلا بك أيها القادم إلى ضواء القمر

ضواء القمر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عقيدة وعبادات ومعاملات ومذاهب ولغة

سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Fawzan سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Iftaa سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Mnjeed
سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Ebn-baz سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت OSEMEEN سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Jabreen
في بيانها السادس..الهيئة الشرعية تطالب بإقالة المجترئين على الدين.. عناصر إيرانية ومن "حزب الله" تقمع المحتجين في درعا.. مصادر مطلعة تؤكد مقتل "خميس القذافي" . .مقربون من القذافي يبحثون عن خروج مشرف له.. والثوار يرفضون مبدأ التفاوض .. القربي: الرئيس اليمني يقترب من اتفاق لنقل السلطة .. استمرار تأجيل قضية خالد سعيد إداريا بسبب الغياب الأمني .. مسؤول بالبنك المركزي: المقر خال من المستندات.. وتم إخلاؤه منذ 7 أشهر . .الشرطة الجزائرية تتصدى لمسيرة جديدة نظمتها المعارضة بوسط العاصمة

    سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت

    avatar
    جار القمر


    عدد المساهمات : 284
    نقاط : 441
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Empty سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت

    مُساهمة من طرف جار القمر 29.10.10 13:36

    .


    سر في أعماقي

    تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت

    المصدر/موقع الكتيبات الإسلامية

    إصدار/دار الصُمَيعي


    سر في أعماقي

    .


    ما أقسى العذاب الذي يعيشه الإنسان بينه وبين نفسه في صمت رهيب، وما أشد قسوته حينما يكون مصدره سراً رهيباً في الأعماق؛ إن انكشف تكاثرت على إثره الجراح واشتدت الآلام، وإن لم ينكشف أصبح مصدر عذاب لا ينتهي وحيرة وقلق دائم وتفكير مضن، وشقاء أبدى يقتات من الفؤاد ويأكل من الروح ويستقي من الفكر..
    عندما فتحت إيمان عينيها على الدنيا؛ وجدت نفسها تعيش في دار كبيرة مليئة بأخوات مختلفات في الأشكال والأعمار وعدد من الأمهات، وكانت من بينهن امرأة تدعى بأم حسن، كانت تناديها دائما بأمي؛ لأنها لم تعرف سواها، ولم تتربَّ إلا في حضنها هي على الرغم من تعدد الأمهات الموجودات في الدار.
    ولما بلغت السن التي تؤهلها لدخول المدرسة، وتعرفت في هذا العالم الجديد على زميلات وصديقات جديدات غير اللاتي معها في الدار، وأدركت أن لكل منهن أمًا، وكثيرًا ما كانت تشاهد كل زميلة من زميلاتها بصحبة أمها أثناء الحفلات المدرسية ومجالس الأمهات التي تعقدها المدرسة.. كانت تتساءل بينها وبين نفسها عن سبب وجودها في هذه الدار الكبيرة دون أم تذهب معها إلى الحفلات المدرسية وغيرها، ودون أب، وبلا إخوة وأخوات حقيقيات، فكانت تتنحى جانبًا بعيدًا من ساحة المدرسة تخلو فيه بنفسها وتفكر في أشياء كثيرة، وتبحث عن أجوبة لأسئلتها الحائرة، ولكن دون جدوى، ثم تبكي بحرقٍة دون أن تدرك سببًا معروفًا لبكائها.
    وفي البيت الكبير الذي تعيش فيه كانت تختبئ تحت شجرة برتقال كبيرة بعيدة عن أعين أخواتها وتبكي ما شاء لها البكاء، وكان السؤال عن أبيها يحيرها دائما ويقض مضجعها كلما سمعت صديقة تتحدث عن أبيها وعن هداياه.. ما عدا هي؛ لماذا لا يكون لها أب مثلهن؟ إنها لم تر حتى صورة له، أو تسمع شيئًا عنه، أو تعرف ماذا كان يعمل..
    ومرت الأيام بإيمان متقلبة، تارة ساكنة هادئة، وتارة كئيبة حزينة، أدركت من خلالها أن ما تعيش فيه ليس سوى مؤسسة اجتماعية لاحتضان وتربية الأيتام والفقراء المساكين ممن فقدوا معينهم أو جار عليهم الزمن.. كانت حينذاك قد بلغت الثانية عشرة من عمرها، وذات ليلة سألت أم حسن مربيتها مستفسرة عن والديها وكيف جاءت إلى هنا؟ ولماذا لم تر أحدًا من أقاربها كما يحدث لبقية أبناء الدار؟ولماذا لا تزور أو تزار في المناسبات؟
    فما كان من أم حسن عندما سمعت أسئلتها الملهوفة الحزينة، وشاهدت ما ارتسم على وجهها البريء الطاهر من ألم وحيرة وضياع؛ إلا أن ضمتها إلى صدرها في حنان بالغ، وراحت تمسح على شعرها الذهبي الحريري الطويل بيدها التي أكل الزمن من قوتها ونضارتها، ثم مضت تحدثها بعد أن طمأنتها وهدأت من ثورة نفسها المضطربة، قائلة لها:
    - إن والديك يا حبيبتي – رحمهما الله – كانا من أفضل الآباء، وكانا يحبانك كثيرًا، وقد حدث لهما ذات يوم حادث فظيع توفيا فيه وهما قادمان من البيت لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء الأعزاء، وكنت معهما، وشاء الله لك الحياة بعد أن أصبت إصابة خفيفة.. ولما خرجت من المستشفي ولم يسأل أحد عنك؛ أحضروك هنا مؤقتًا حتى يأتي أحد أقاربك.. ولم يأتِ أحد.. وقيل: إنه لم يبلغ عنك لأن والديك لم يعرفا بسبب الحادث، وقد يكونان غريبين عن البلد مثلاً، وهذا هو السبب في عدم معرفة أقاربك.
    وبعد أن أخذت إيمان نفسًا عميقًا؛ قالت في اضطراب:
    - ولكنك يا أمي تقولين إن والديّ كانا من أفضل الناس؛ فكيف عرفت ذلك؟
    قالت:
    - إن ذلك ظاهر من مظهرهما عندما كانا في المستشفي.
    قالت ذلك بارتباك محاولة إنهاء الموضوع، وفضت الحديث فيه بعد أن مضت تزيد وتختلق من عندها حكايات حتى جعلتها تقتنع بحديثها بعض الشيء.
    شعرت إيمان ببعض الراحة والسكينة بعد أن استمعت لحديث أم حسن، ووجدت فيه جوابًا شافيًا لسؤالها الحائر الذي طالما قض مضجعها وأقلق تفكيرها وآلم نفسها.
    مرت الأيام تتلوها الشهور وتتبعها السنوات، وشبت إيمان وصارت فتاة ذات جمال وكأن الله قد خصها بهذا الجمال وأعطاها من حسن الخلق والطباع وميزها بخصال حميدة وصفات عديدة تعويضًا عن حرمانها من عطف الأبوين وحنانهما.. ولما نالت الشهادة الإعدادية ترك لها حرية الاختيار بين دخول معهد المعلمات وبين دخول المرحلة الثانوية؛ فاختارت الثانوية العامة بعد تفكير عميق، وخطة مدروسة وضعتها للمستقبل.
    كانت من الطالبات المتفوقات دائمًا واللاتي يحصلن على شهادات تقدير وثناء.
    كانت تقضي بداية اليوم في المدرسة وبعد الخروج منها تذهب إلى الدار، وهناك تجتمع مع أخواتها في الدار ويتناولن الغذاء معًا، ثم تنام بعض الوقت وتستيقظ لتصلي العصر مبكرة، ثم تنكب على مذاكرة دروسها، وفي المساء تجلس أمام التلفاز تشاهد بعض المسلسلات الاجتماعية الهادفة التي تعرض في كل مرة أكثر من قضية، وكانت تحاول دائمًا أن تجد الحل لكل مشكلة أمامها قبل نهاية المسلسل، هكذا دائمًا عودت نفسها.. كانت أيضًا تجد لذة في متابعة البرامج الدينية وتخرج منها بفائدة عظيمة، وتنصت باهتمام إلى شكاوى البنات والأولاد التي يرسلونها.. وتتعجب تارة وتستغرب تارة أخرى من ظلم وجهل بعض الآباء والأمهات.
    على هذا المنوال استمرت حياة إيمان تسير طيلة السنوات الثلاث، على الرغم من الألم المكبوت الذي كانت تعانيه في صمت وابتسامة مزيفة حين تبدأ العطلة الصيفية وترى زميلاتها في الدار قد استعددن لقضاء العطلة الصيفية عند ذويهن أو أقاربهن، ما عداها وبعض الصغيرات اللاتي لا يفقهن شيئًا مما حولهن.. فترجع بذاكرتها إلى قضية أم حسن التي حكتها لها عن والديها؛ فتجد بعد استرجاعها أن هناك قوة لم تمتلئ، إذن؛ لابد أن في الأمر شيئًا ما، وأن الحكاية لم تنته، ومضت تفكر وتفكر، وتقول لنفسها:
    - لا بد من أن هناك سرًا ما، وأي سر..
    كانت تردد ذلك وتتساءل بينها وبين نفسها:
    - يا لغبائي! كيف صدقت كلام أم حسن بهذه البساطة؟ وكيف لم يخطر على بالي أن أسألها أسئلة معينة لعلي بذلك أتوصل إلى الحقيقة..؟
    وتفيق من أفكارها بضربة يدها على جبينها: كيف أسألها.. وقد رحلت إلى العالم الآخر منذ سنتين؟!
    بقيت إيمان حائرة متألمة داخل نفسها، إنها لا تجرؤ على سؤال أي واحدة أخرى من المقيمات في الدار هذا السؤال، وما يدريها أن أحدًا يعرف قصتها غير أم حسن؟
    بدأت العطلة وانتهت وهي لا تزال حبيسة الدار وسجينة أفكارها، وسؤالها الذي لا يكف عن التنغيص عليها بين فترة وأخرى.
    ومرت الأيام وهي تعدها يومًا بعد يوم لتخرج بانتهائها من السجن الذي تقبع فيه؛ فقد شدها الحنين وأذابها الشوق لرؤية أخواتها في الدار، وإلى سماع أخبارهن، وسماع كل جديد خارج السور قد حدث في فترة غيابهن، وكانت تمني نفسها بلقاء شريفة – صديقتها العزيزة – التي عرفتها من مقاعد الدراسة لا من الدار؛ لتفضي لها ببعض ما يجول في فكرها ويضطرم في نفسها.. ثم تضحك من نفسها قائلة:
    - أنا أعد الأيام لتمضي العطلة، وغيري يبكون على مرور كل يوم منها؟! سبحان الله! إن الإنسان منا لا يرضيه شيء في هذه الدنيا.
    وعند الإعلان عن بداية موعد التسجيل في الجامعة؛ لم تترك إيمان أدنى فرصة لنفسها للتفكير في اختيار القسم الذي تتخصص في دراسته، بل إن قسم الدراسات الاجتماعية كان هو القسم الذي خططت له، وبنت على إثره قاعدة مستقبلها العملية؛ حتى تتخرج لتكون باحثة اجتماعية تعمل على مساعدة الغير بحل المشاكل الأسرية أو النفسية التي تعود على صاحبتها بأمراض اجتماعية مختلفة قد تتسبب في تدمير حياتها الاجتماعية والأخلاقية والنفسية، وقد يكون هذا بسبب أسباب بسيطة كما ترى وتسمع من خلال ما تشاهده في التلفاز، وما تؤكد عليه الحياة الواقعية من خلال معايشتها لأناس كثيرين من بين صديقاتها في المدرسة وفي عالم الجامعة الرحب الممتد والزاخر بمختلف العلوم التي تساعد على توسيع مدارك الإنسان وتعريفه بأشياء جديدة عليه.
    نسيت إيمان المشكلة التي تعاني منها وتقلقها دائمًا؛ فولوجها في معركة القراءة والكتابة والبحث والدراسة المستمرة جعلها تنسى ذلك، حتى إحساسها بالوحدة وشعورها بأنها إنسانة متميزة في كل شيء، حتى في الأهل والأقارب.
    وكان جدها وتفوقها الدائم على زميلاتها،ومثاليتها محط أنظار الجميع من دكتورات وأستاذات إلى صديقات وزميلات.
    وكانت صديقتها شريفة التي اختارت قسم اللغة العربية لا تقل عنها تفوقًا ومثالية.. حتى عرفت أن هناك من ينظر إليها بعين الحسد والحقد الدفين؛ لتفوقها الباهرة المستمر، ولصداقتها التي ابتدأت من الابتدائية ولا تزال متينة قوية حتى الآن.
    نالت إيمان الشهادة الجامعية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وارتدت لباس التخرج الأسود والقبعة المربعة تعلو رأسها، وكأنها تعلن بكل فخر وزهو مدى كفاح مرتدي هذه القبعة، ومدت يدها لتتسلم الشهادة وابتسامة الأمل تتراقص حول شفتيها، وسرعان ما جال في خاطرها خاطر قلب سعادتها للحظات ألماً وحزناً، عندما تذكرت أمها وتمنت لو أنها تراها الآن وتبارك لها وتفخر بها كغيرها من الزميلات والصديقات، ولم تشعر بنفسها إلا والدموع تنهمر من عينيها كاللؤلؤ في طهارة ونقاء، وأحست بيد زميلتها وهي تدفعها للأمام؛ فتابعت سيرها بعد أن أوقفتها الذكرى عن متابعة السيرة الجماعية.
    بعد انتهاء مراسم استلام الشهادة؛ عادت إيمان إلى الدار وهي تحمل سلاح المستقبل، وتفكر في كيفية قضاء هذه العطلة الطويلة في الدار وحيدة كعادتها كل عام بدون صديقات أو زميلات، وقد لاح أمامها المستقبل يفتح لها ذراعيه؛ فمضت تفكر كيف سيكون هذا المستقبل الجديد؟ وكيف ستكون أيامها عندما تطرق هذه المرة بابًا جديدًا من أبواب الحياة الواسعة عندما تطرقه لتعطي فيه وليس لتأخذ منه؟ وراحت تتساءل بينها وبين نفسها: أيهما أفضل؛ الدراسة، أم العمل؟ وأيهما أكبر مسؤولية؛ العمل، أم الدراسة؟ وهل سأنجح في العمل كما نجحت في الدراسة؟
    وعادت تجيب على أسئلتها بنفسها: العمل واجب فرضه الله علينا لنعيش منه كما فرضته علينا الحياة، والدراسة أيضًا أمر الله بها كما أمر بها رسوله الكريم، وقد قال تعالى في محكم كتابه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [المزمر: 9].
    نامت ليلتها وهي تتأرجح بين التفكير في المستقبل وبين فرحتها بنيل الشهادة وإحساسها بأنها لم تعد عالة على أحد؛ لأنها ستتكفل بنفسها منذ الآن، ولن تقبل بعد اليوم معونة أو مساعدة من أي إنسان من غير أن تكون في حاجة ماسة لها.
    في الصباح عندما جلست تتناول إفطارها؛ سألتها مديرة الدار قائلة:
    - ماذا ستفعلين بشان مستقبلك؟
    ردت في فخر:
    - سأعمل دون شك.
    - الله يوفقك يا ابنتي، ويجعل التوفيق والنجاح حليفك دائمًا.. وأين ترغبين أن تعملي؟
    ردت إيمان في سعادة:
    - في إحدى المدارس إن شاء الله.
    وساد المكان فترة صمت، ثم قالت المديرة:
    - لماذا لا تعملين هنا؟
    - هنا؟! أين؟ في الدار؟
    - أليس من حقها عليك أن تعملي فيها كما تعلمت وعشت فيها؟
    وفجأة شعرت إيمان بأن قيدًا حديديًا قد امتد وطوق عنقها ويديها وشل حركتها؛ فلم تعد تستطيع النطق، وأحست بأن الدماء تتصاعد إلى وجهها ورأسها حارة، ومضت تحدث نفسها قائلة:
    - هنا.. أعمل هنا في السجن الكثيب الذي قضيت فيه زهرة عمري متعطشة إلى الحنان.. ظامئة إلى الحب.. محرومة من الأمومة والأبوة؟!
    كانت تردد في صمت بينها وبين نفسها، في حين راحت مديرة الدار تقرأ في عينيها ما ارتسم على معالم وجهها من الحزن الذي لا يمكن إخفاؤه؛ فقالت بعد أن جاهدت في أن تبعد نبرة الشفقة من صوتها:
    - ما بك يا إيمان؛ هل قلت ما يؤلمك دون قصد مني؟ الله وحده يعلم كم..
    ولم تدعها تكمل، بل قالت في صوت يشوبه اليأس والألم المكتوم:
    - أبدًا، لم تقولي شيئًا يؤلمني، ولكن أمنيتي أن أعمل في مجال غير هذه الدار، وأحب أن أعرف كيف تكون الحياة خارج الدار، وكيف يعيش الناس خارجها، وما هي المشاكل التي يتخبطون في وحلها، وما أسبابها؛ لعلني أساعد يومًا بائسة، أو أعمل على إنقاذ ساذجة طيبة، والدار يا أمي..
    وتوقفت مندهشة عند نطقها لهذه الكلمة التي حرمت منها سنوات عمرها كله، وتمنت أن تقولها، ولكنها لم تجد من تقولها له، حتى صارت ترددها بينها وبين نفسها في الأيام التي تحس فيها بقسوة الحياة عليها، وتشعر بأنها بلا أم تخفف عنها ما تعانيه من أحزان الحياة وآلامها وصدمات الزمن الذي لا يرحم..
    - آه، أمي، يا لها من كلمة حلوة عذبة شافية.. كالبلسم للجرح..
    وندت عنها آهة حرى فاضت بما حملته من أشواق وحنين طيلة السنوات الماضية..
    - إيمان حبيبتي.. ما بك صمت؟ قوليها ثانية، ما أعذبها من كلمة! قوليها يا ابنتي..
    كانت تقول ذلك ودموعها تنهمر في استسلام وهدوء؛ فما كان من إيمان إلا أن ألقت برأسها على صدرها دون أن تنبس ببنت شفة، وأطلقت لدموعها العنان لتعبر عن مكنون نفسها، ومضت المديرة تغدق عليها من حبها وحنانها، الشيء الذي جعلها معه تشعر أن هذه ليست إلا ابنتها وليست ربيبة دار..
    ولما فرغت إيمان من إبداء الأسباب الجوهرية التي جعلتها تصر على أن يكون عملها خارج هذه الدار للمرة الثانية، ثم مضت المديرة تبدي أسبابها التي جعلتها تعرض عليها هذه الفكرة؛ فكان مما قالته:
    - يا ابنتي! لا تنسي أنك قضيت طفولتك وصباك وشبابك معنا، وكلنا كنا أسرة واحدة، وأنا بالذات لا أستغني عنك ولا أصبر عن رؤيتك أبدًا، لهذا أحببت أن تبقي هنا لأراك باستمرار، وأكون على علم دائم بأخبارك، وأشاركك فرحتك عند زواجك وانتقالك إلى بيتك الجديد بإذن الله..
    أحست إيمان على أثر هذه الكلمة التي لم تتوقعها أن خنجرًا حادًا قد غاص في أعماق قلبها، فطعنه طعنة قوية جعلتها أسيرة للعذاب طيلة حياتها.. حاولت أن ترد بأية كلمة ولكنها عبثًا حاولت، كانت الطعنة أقوى من أن تحتملها؛ فانسلت من الإدارة بأحزانها التي تأكل منها بعد أن اختلقت لها عذرًا.
    كان الليل هو الرفيق الوحيد لإيمان في سهرها وجراح قلبها وآلام نفسها، كانت تشكو لله وحده حالتها وتدعوه وتناجيه بحالها، وكانت تبكي بمرارة وأسى كلما تذكرت كلمات المديرة؛ وخصوصًا كلمة الزواج والبيت، وكانت تسأل نفسها: هل سأتزوج في يوم من الأيام؟ ومن يرضى بزوجة عاشت في الدار طيلة حياتها؟ زوجة مجهولة الهوية والعنوان والأصل؟ وبلا أقارب أو أحباب؟ وهل سيصدق حكايتي المجهولة؟
    وتوالت عليها الأفكار السوداء تباعًا، وامتلأ رأسها بالأسئلة الواحد تلو الآخر.
    avatar
    جار القمر


    عدد المساهمات : 284
    نقاط : 441
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Empty رد: سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت

    مُساهمة من طرف جار القمر 29.10.10 13:39

    وأشرق نور يوم جديد وهي ما تزال تتقلب على فراش العذاب باحثة عن جواب شاف لأسئلتها، ولكن.. هيهات.
    ومرت الأيام وهي لا تفتأ تتذكر كلمة المديرة التي صدرت عنها دون قصد في إصلاحها؛ فتنتابها الأسئلة تباعًا وتفسد عليها يومها؛ فتقضيه في قلق وحزن، وتذكرت فجأة شيئًا نسيته هي والمديرة أن عملها في المدارس يحتم عليها العودة للدار للإقامة فيها؛ فتألمت في نفسها؛ كيف لم تفكر في ذلك من قبل؟ وكيف غاب ذلك عن خاطرها وخاطر المديرة؟
    - إذن، يا إلهي! لا مهرب من السجن الكئيب.. آه، هناك حل واحد فقط.. العمل في إحدى الجامعات أو الكليات؛ لأبقى في السكن الداخلي وهذا هو الحل.. ولكن؛ هل سأحصل على عمل هناك؟
    وفيما هي على هذه الحال؛ إذا بإحدى العاملات تقول لها بأن المديرة تطلبك؛ فسارت على أثرها وهي لا تعلم ما يخبئ لها القدر في طياته، وما إن دخلت الإدارة حتى بادرتها المديرة قائلة وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة رضًا واطمئنان:
    - لك مكالمة هاتفية.
    - مكالمة؟!
    قالت ذلك باستغراب؛ إنها أول مرة تطلب فيها على التليفون؛ من سيطلبها يا تري؟ وسرعان ما بادرتها المديرة قائلة:
    إنها صديقتك شريفة؛ لا بد أن هناك أمرًا هامًا.
    رفعت السماعة والاستغراب لا يزال مسيطرًا عليها، وقالت – بصوت تغلب عليه الدهشة واللهفة لسماع الأمر الذي حدا بشريفة الاتصال بها-:
    - آلو.. مساء النور، نعم أنا إيمان، بخير والحمد لله.. كيف حالك؟ أنت ستحضرين لزيارتي – قالت ذلك بنبرة دهشة-! أهلاً وسهلاً بك في أي وقت، أنا بانتظارك، مع السلامة.. مع السلامة.
    وأقفلت الخط وهي تتساءل عن سبب حضور صديقتها شريفة إلى الدار، وعن السر الذي يكمن وراء هذه الزيارة المفاجئة.
    قالت مديرة الدار – بعد أن أدركت بذكائها ما يجول في فكرها-:
    - اطمئني يا ابنتي، إن شاء الله خير وأخبار سارة.
    فصوبت إليها إيمان نظرة تساؤل، بعد أن شعرت بموجة راحة تتسرب إلى نفسها فجأة، وقد ارتسمت على شفتي المديرة ابتسامة عريضة؛ فبادلتها هي بابتسامة مماثلة وهزت رأسها وهي تقول في نفسها:
    - خير إن شاء الله، ولكن ما يدريك بأنها أخبار سارة؟!
    وأدارت لها ظهرها بعد أن شكرتها، وقفلت راجعة إلى غرفتها.
    كان الوقت عصرًا عندما جاءت شريفة لزيارة صديقتها إيمان، واضطرت أن تنتظر دقائق عند البوابة؛ حتى يتأكد الحارس من المشرفة القائمة على الدار بالسماح لهذه الزائرة بالدخول؛ بعد أن أخذ منها ورقة إلى المشرفة لتتأكد من هوية الزائرة، وما هي إلا لحظات معدودة حتى عاد الحارس ليفتح لها الباب ويعتذر لتركها واقفة، وما إن ولجت إلى ساحة الدار حتى وجدت إيمان واقفة لاستقبالها بفرحة عظيمة، وبعد تبادل السلام والتحايا أثناء الطريق؛ قادتها إلى غرفتها الخاصة في الدار، فلما دخلتا الغرفة؛ قالت شريفة:
    - اقفلي الباب.
    - لماذا؛ هل هو سر خطير؟
    قالت ذلك وهي ممسكة بأكرة الباب لقفله.
    - لا، ليس لهذه الدرجة، ولكن أفضل ألا يزعجنا أحد ويقطع حديثنا.
    وأحست إيمان بقلبها يقفز داخل صدرها، سادت الغرفة فترة صمت رهيب حسبتها إيمان كأنها سنوات على الرغم من أنها لم تزد على ثوان معدودات، ثم تحدثت شريفة قاطعة رهبة الصمت وهي لا ترفع بصرها عن وجه صديقتها:
    - هل تسمحين لي أن أسألك سؤالاً خاصًا قبل أن أبدأ الحديث معك؟
    فلاحت شبه ابتسامة على وجه إيمان، وقالت مجيبة:
    - اسألي، وهل لي مهرب منك وقد أغلق الباب؟
    وضحكتا معًا، ثم قالت شريفة:
    - اصدقيني القول، ما بك؟ إنك لست كعادتك؛ تبدين ذابلة وحزينة؛ هل كنت مريضة؟
    - لا، أنا بخير والحمد لله.
    - إذًا ما بك؟
    - قلت لا شيء، أنت واهمة فقط.
    ردت شريفة:
    - أنا لست واهمة، أنا أعرفك جيدًا، لا بد أن هناك أمرًا ما يشغلك؛ ألست صديقتك؟ أليس من حقي عليك أن تبوحي لي بهمك، ومن حقك علي أن أخفف عنك وأعمل لمساعدتك؟
    - أنت أكثر من أخت لي وأنت صديقتي الوحيدة يا شريفة.
    - إذن صارحيني، ليس هناك شيء مطلقًا؟
    وقاطعتها إيمان قائلة:
    - أرجوك يا شريفة لا تشغلي بالك بأمري، وهيا حدثيني عن سبب زيارتك المفاجئة هذه؛ فأنا بشوق إلى معرفة هذا السبب الذي جعلك تزورينني هنا لأول مرة في حياتك.
    - أوه يا لك من صديقة عنيدة.
    وبصوت أرادته غاضبًا نوعًا ما؛ قالت شريفة:
    - إني أنتظر، هيا حدثيني.. وإلا..
    وكانت الاثنتان تتبعان أسلوب الغضب المصطنع المخلوط بالمرح الظاهر بينهما، في كل مرة يجتمعان فيها ويتناقشان في موضوع ما.. مضت فترة صمت قصيرة كانت شريفة خلالها تستجمع كل شجاعتها لتفاتح صديقتها؛ وفجأة قالت بسرعة وكأنها تريد التخلص من عبء تحمله:
    - إيمان! هل فكرت في الزواج؟
    رفعت إيمان بصرها في دهشة واستغراب؛ لأنها لم تكن تتوقع أن تسمع مثل هذا السؤال؛ وفي هذا الوقت الذي تعيش فيه أشقي أيام حياتها، سرت رجفة مفاجئة في جسمها وراحت الدماء تسري حارة في أنحاء جسمها وظلت صامتة لا تحير جوابًا، فكررت شريفة السؤال مرتين وثلاثًا، وحاولت إيمان أن تقول شيئًا، ولكن الكلمات خانتها وانهمرت الدموع من عينيها؛ فكأنها بذلك تعبر عما يعتلج في أعماقها، واقتربت منها شريفة وراحت تلاطفها تارة وتعتذر منها تارة أخرى، قائلة لها:
    - اعذريني يا إيمان إن كان السؤال قد تسبب في جرحك أو إيلامك؛ وما كان سؤالي هذا إلا لأني أعرف أن الزواج حق لكل فتاة، وأمنية تحلم بها كل بنت تفكر في الاستقرار.
    تنهدت إيمان في ألم دفين، ثم قالت:
    - لا عليك، كل ما هنالك أن سؤالك كان مفاجأة لي لا أكثر، هيا أكملي حديثك.
    قالت شريفة:
    - أخي فيصل يريد أن يتزوج.
    - حقًا، ألف مبروك، ومن هي العروس؛ مني ابنة عمك؟
    - لا.
    - سلوى ابنة خالك؟
    - أيضًا لا.
    - إذن ابنة عمتك هند.
    - لا.
    - من إذن؟ لقد عجزت، قولي أنت.
    - سأقول لك، ولكن ماذا..؟ أعني أخي له شروط في عروسته سأخبرك بها أولاً.
    قالت إيمان:
    - إن هؤلاء الشباب دائمًا عندما يريدون الزواج يضعون أمامهم قائمة من الشروط؛ ناسين أن الفتاة من حقها أيضًا أن تكون لها شروط في زوج المستقبل لأنها تدرك تمامًا الحياة، كما أن لها مشاعر وأحاسيس وآراء..
    - ما هذا كله يا إيمان؟ إنك متحاملة على الشباب، إن أخي ليس من هؤلاء.
    - لماذا؛ أليس شابًا؟
    قالت إيمان ذلك، فردت شريفة بقولها:
    - إنه كذلك، ولكن شروطه في حدود المعقول؛ لأنه لم يشترط أن تكون زوجته شقراء وطويلة، أو ذات شعر ناعم أسود.. إلى غير ذلك، إن شروطه في حدود المعقول.
    - كيف؟
    - إنه يشترط في شريكة حياته أن تكون ذات أخلاق عالية وخصال حميدة وطباع حسنة، وأن تكون على مستوى متكافئ مع مستواه التعليمي والفكري، وأن تكون ممن ينظر للحياة بعدة زوايا وليس بزاوية واحدة قائمة، وذات إرادة وعزيمة، أما الجمال؛ فهو شيء ثانوي إذا قيس بشروطه تلك لأنه يقول: إن الجمال والمال زائل، أما الجوهر فهو الباقي.
    كانت تقول ذلك وهي تنظر بين لحظة وأخرى إلى وجه صديقتها لترى مدى تأثير كلامها عليها؛ ثم قالت:
    - هه، هل تجدين في شروط أخي وآرائه ما يجعله في صف هؤلاء؟
    وابتسمت إيمان في رضا قائلة:
    - إذا صح ما قلت عنه؛ فأنا اعتذر منه ومنك أيضًا، وأشهد له بأنه رجل بما تحمل الكلمة من معني.
    - الحمد لله أنك شهدت له بنفسك.
    ولم تفهم إيمان ما قصدت شريفة بكلامها، بل تابعت قائلة:
    - ولكنك لم تقولي حتى الآن؛ هل وجد صاحبة هذه الشروط؟
    - أجل، لقد وجدها.
    - مبروك، والله يجعل التوفيق حليفهما.
    - آمين.
    - هيا أخبريني من تكون صاحبة الحظ السعيد.
    - الموضوع لم ينته.
    - كيف؟
    - لأننا لم نعرف رأيها حتى الآن.
    - هل هذا لغز؟
    - لا، ولكن الحل عندك.
    - عندي أنا كيف؟.. إن كنت تقصدين أنني أعرفها وتريدين مني أن أقنعها سأفعل ذلك بكل طيب خاطر إكرامًا لك.
    ضحكت شريفة بسعادة قائلة:
    - لا، ليس كما تصورت..
    - إذًا، كيف أساعدك؟
    - سأقول لك.. أنا جئت لأخطبك أنت لأخي، وأتمنى ألا أخرج خالية الوفاض وخائبة الأمل.
    وشعرت فجأة برعشة تهز جسدها وبنار تحرق دماءها:
    - أنا؟! أرجوك يا شريفة أنا لا أحب مثل هذا المزاح إنه..
    - إنه ليس مزاحًا، إن أخي فعلاً يريدك أن تكوني زوجته.
    - أنا؟ ولماذا أنا بالذات وهناك الكثيرات مثلي وأفضل بكثير؟ ثم.. ثم كيف يرضى أن يقترن بواحدة مثلي؛ ربيبة دار ومجهولة الأبوين والعائلة؛ كيف؟ ألم يفكر فيما سيقوله للناس؟ هل هي شفقة وعطف منه لأني صديقة أخته ويعلم بظروفي، أم لأنه ليس ميسور الحال ولن يستطيع العثور على زوجة تتوافر فيها الصفات التي يرغبها بسهولة فاختارني؛ لأنه يظهر أنني بلا كرامة أو مشاعر أو مبادئ؟ آه يا إلهي؛ هل من المعقول أنه يحبني؟ لا, وإذا صح ذلك؛ فكيف حدث هذا وكيف أقنع نفسي وأصدق؟!
    - إيمان! إيمان حبيبتي! ما هذا الكلام الذي تقولينه؟ إنك لا تعرفين قدر محبتك لدينا، وأنت لست ربيبة دار باختيارك كما تقولين؛ إنه قدرك أن تعيشي يتيمة وليس في هذا عيب، ثم إن الزواج حياة كاملة مستمرة وعمر طويل، وأساسه الاتفاق والرضا والاقتناع التام من كلا الطرفين، وليس للعاطفة أو الشفقة دخل فيه.. وأخي صحيح ليس ميسور الحال، والزواج منك ومن سواك يتطلب نفقات؛ ولكنه اختارك أنت لما يسمعه مني من الإطراء والثناء عليك، وهو أعلم بنفسه.. وكل شيء قسمة ونصيب.
    فقالت إيمان بصوت متلجلج:
    - وكيف استطاع إقناع والدك وحصل على موافقته؟
    بضيق قالت شريفة:
    - آه رأسي سينفجر؛ ماذا حدث لك؟! لم كل هذه الأسئلة والوساوس؟
    - اعذريني يا شريفة؛ ولكني فضلت أن أصارحك لأنك أقرب الناس إلي، وأظن من حقي أن أسأل وأسمع الإجابة ثم أقتنع أولاً.
    - أجل، كل ما قلته من حقك، ولك أن تسألي ما شئت.
    - أريد أن أعرف كيف اقتنع والدك، هذا طبعًا إذا كان لديه خبر.
    قالت شريفة:
    - أنت تعرفين أن والدي ليس من الرجال الذين يتمسكون بالعادات والتقاليد العمياء، وأهم ما لدية الأخلاق والشرف، وهو بالإضافة إلى ذلك يثق ثقة كاملة في أخي، ويثق فيك، ويعتبرك ابنة له، ولولا خوفه من أحاديث الناس؛ لكان طلب منك بنفسه أن تقضي كل عطلة صيف معنا.. هل اقتنعت؟
    بقيت إيمان تنظر إليها في صمت حائرة، لا تعرف؛ أتصدق نداء القلب، أم العقل؟
    - ما بك؟
    - هه.. لا شيء.
    - هل لديك أسئلة أخري؟
    - أجل، من الذي اختارني، أخوك، أم أنت؟
    نظرت إليها شريفة بحيرة واضطراب، ثم تابعت إيمان قائلة – بعد أن أدركت ما يدور في رأس شريفة:
    - صدقيني يا شريفة أنا لا أريد أن أظلم نفسي، وأظلم أخاك.
    قالت شريفة:
    - وما الفرق بيننا؛ هو أخي وأنا أخته.
    - الفرق كبير وكبير جدًا عندي.
    - كيف؟
    - لن أقول حتى أسمع إجابتك.
    - أخي هو الذي اختارك، وأقنعني كثيرًا حتى أعمل على إقناعك، والآن قولي لي الفرق عندك.
    - كما قلت لك الفرق كبير جدًا لكونه هو الذي سيتزوج، وأنت التي تختارين؛ لأن من المنطق الخيار لصاحب الحاجة.
    - كلامك صحيح.. والآن أريد أن أعرف رأيك.
    قالت شريفة ذلك وعيناها معلقتان على شفتي إيمان التي أطرقت برأسها حائرة لا تدري ما تقول، وقد راحت تحدث نفسها أن ما حدث هذا؛ ليس إلا النصيب الذي قاده إليها والحظ السعيد الذي كتبه الله لها؛ لينتشلها من أعماق الحزن الذي تربت فيه وعاشت معه فصار لها كالظل، فجاء هذا القدر بهذا النصيب ليحلق بها بعيدًا عن سياج هذه القلعة التي قضت فيها ربيع عمرها محرومة من حنان الأم وعطف الأب والإحساس بالحرية التي تشعر بها كل بنت تعيش في ظل أبويها.
    وعادت شريفة توقظها من سلسلة أفكارها؛ عندما قالت لها ضاحكة:
    - هه.. هل أقول لك مبروك وأذهب لأزف البشرى لأخي وأبي؟
    وحاولت أن تتكلم ولكن الصمت كان أقوى منها، وكأنها تخشى أن تجد بعد الإجابة بنعم ما يضيع هذه السعادة التي هبطت عليها من السماء لتنتشلها من الجحيم إلى النعيم.
    - ما بك صامتة؛ هل تطبقين المثل الذي يقول السكوت علامة الرضا؟
    قالت شريفة ذلك وعيناها تجوسان من جديد في وجهها، رفعت إيمان رأسها وهي تبتسم في خجل، ثم قالت:
    - ولكن؛ كيف نخبر المد..
    وقاطعتها شريفة قائلة:
    - إذا كنت تقصدين المديرة؛ فهي تعرف كل شيء.
    - تعرف؟ كيف؟ سألت إيمان بدهشة!
    - أخبرتها أمس وهي موافقة وسعيدة من أجلك، وقد قالت إنها ستقنعك في حالة رفضك.
    - ولكن.. ولكن.
    - ولكن ماذا يا إيمان؟
    - أعني، كيف ستكون الترتيبات و..
    - فهمت ما تقصدين، لا عليك، كل شيء سيسير حسب العادة، والآن دعيني أذهب أولاً لأزف هذا الخبر السعيد للعائلة، وبعد تمام العقد بإذن الله تعالي؛ سآخذك برفقة إحدى المسؤولات في الدار لشراء كل ما يلزمك وما ترغبين في شرائه؛ طبعًا هذا سيكون من المبلغ الذي سيعطيه لك أخي كجهاز، وأما ما تأخذينه من الدار كما هي العادة عندما تتزوج البنات؛ فهذا من حقك الشخصي، ولك حرية التصرف فيه بإرادتك.
    avatar
    جار القمر


    عدد المساهمات : 284
    نقاط : 441
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت Empty رد: سر في أعماقي.تأليف/بهية عبد الرحمن بوسبيت

    مُساهمة من طرف جار القمر 29.10.10 13:41


    ومرت الأيام بإيمان حلوة لذيذة؛ وهي تجهز لنفسها وتستعد لحياة جديدة وعالم جديد لا تعرف عنه إلا ما تسمع من أفواه الناس.
    وفي إحدى ليالي الخميس المقمرة.. تم زواجها والتقت بفيصل لأول مرة وكان لقاءً ممزوجًا بالسعادة والفرح والخوف معًا، وانتقلت إيمان بذلك من سجن الدار إلى بيت الزوجية السعيد الذي طالما حلمت به، وشعرت بينها وبين نفسها بأنها لم تلتق بفيصل لأول مرة؛ بل أحست كأنما يعيش معها دائمًا، أمضت إيمان النصف الأخير من العطلة الصيفية في سعادة وفرح لم تكن تحسب لها أي حساب، ومع بداية العام الجديد استلمت خطاب التعيين للعمل كباحثة اجتماعية في إحدى المدارس الثانوية، ونامت ليلتها قريرة العين تفكر في أحداث يومها الأول العملي والذي ستتعرف فيه بأناس جدد عليها.
    وفي صباح اليوم التالي أخذها زوجها إلى المدرسة، وما إن ولجت ساحة المدرسة؛ حتى شعرت بضيق مفاجئ لا تدري سببه؛ فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وتابعت طريقها، وفي الطريق إلى غرفة المديرة رأت إحدى العاملات فسألتها عن مكان الغرفة، وسرعان ما أدركت العاملة أنها موظفة جديدة؛ فمضت ترحب بها وهي تسير معها، وقد لاحظت إيمان أن العاملة ظلت واقفة أمامها تنظر في وجهها باستغراب واندهاش عجيبين حتى طلبت منها أن تحضر عصيرًا لها؛ فخرجت تجر نفسها جرا، وراحت المديرة تشرح لإيمان طبيعة عملها، ثم عرفتها بزميلاتها المعلمات اللاتي أخذن يتوافدن الواحدة تلو الأخرى للسلام عليها.
    ومضت الأيام بإيمان في خضم حياتها الزوجية والعملية الجديدة التي أنستها كل خيط يربطها بالماضي والدار؛ عدا الزيارات المتباعدة التي كانت تقوم بأدائها للمسؤولات في الدار كاعتراف بالجميل وعدم التنكر.
    ومع مرور الأيام بدأت إيمان تلاحظ تصرفات أم إبراهيم المستخدمة، كما تلاحظ إدراك المعلمات وتعجبهن من تصرفاتها؛ مما زرع الشك في نفسها وكانت تتساءل بينها وبين نفسها عن سبب تركيز أم إبراهيم على وجهها بالذات وخصوصًا الجهة اليسرى، وعن السر الذي قد يكمن في وجود حبتي الخال بطريقة غريبة شاذة، وبينما هي في تساؤلها هذا تذكرت بعض تعليقات زميلاتها في الجامعة وفي الدار؛ حتى شريفة صديقتها المقربة قالت لها يومًا مازحة: لو كنت ابنتي وفقدت في إحدى الطرقات؛ سأقول إن علامتك الفارقة هي هاتان الحبتان الجميلتان، وزوجها فيصل قال لها وهما في شهر العسل: إنك أجمل من رأت عيناي يا حبيتي، وأجمل ما فيك هاتان الحبتان اللتان تشبهان نقطتي عنبر مرتبطتان بعضهما ببعض، ترى أي سر فيهما حقا؟ وهل لنظرات أم إبراهيم الجادة وتغير وجهها بين ثانية وأخرى واضطرابها المفاجئ علاقة بذلك؟ وهل.. و.. و..
    وارتجفت فجأة كما لو لسعتها عقرب عندما خطر في بالها خاطر غريب لا تدري كيف هبط عليها فجأة، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة إيمان مع القلق والخوف والشك الذي تسرب إلى تفكيرها واستوطن في أعماق فؤادها؛ فأحال سعادتها إلى أحزان وآلام لا تنتهي، وكان فؤادها؛ فأحال سعادتها إلى أحزان وآلام لا تنتهي، وكان الخوف من الحقيقة المرة التي تخشاها هو الحاجز الوحيد الذي يمنعها من سؤال أم إبراهيم عن سبب تصرفاتها الغريبة تجاهها، وشعر زوجها بما تعاني وحاول أن يعرف منها سبب ذلك، ولكنها في كل مرة كانت تتهرب من أسئلته وتدخل معه في أحاديث تخص حياتهما المقبلة؛ حتى ظن بينه وبين نفسه أنها قد سمعت من إحدى الزميلات كلمة جارحة ذكرتها بماضيها، وأنها تخجل من البوح له بذلك؛ فأراد أن يتركها على راحتها حتى لا يسبب لها إحراجًا أو جرحًا آخر هي في غنى عنه على الرغم من حالة الألم التي كان يعانيها خوفًا عليها.
    أما إيمان؛ فقد اكتشفت شيئًا في أعماقها جعلها تعتقد أن أم إبراهيم ليست غريبة عنها؛ حين انقطعت فجأة عن الحضور إلى المدرسة وعرفت بعد السؤال عنها أنها تعاني من وعكة صحية اضطرتها للتخلف عن الحضور للمدرسة.
    وفي يوم كانت إيمان جالسة في غرفتها الخاصة تبحث حالة إحدى الطالبات؛ إذ بأم إبراهيم تدخل عليها فجأة دون استئذان مما جعلها تغضب – تلقائيًا – من الطريقة التي دخلت بها مسببة الإزعاج المفاجئ، وألقت بتحية الصباح عليها وهي تحث الخطا إليها؛ إلا أنها وقفت فجأة على بعد خطوات قصيرة منها وراحت تحملق فيها بصمت وقد لاحت أطياف الدموع في عينيها، وراحت إيمان تبادلها النظرات بحيرة وقد عقدت الدهشة لسانها.. ومرت لحظات كأنها دهر والاثنتان في شبه غيبوبة؛ حتى قالت الطالبة كاسرة جدار الصمت:
    - هل أخرج وأعود بعد قليل؟
    فردت ردًا آليًا:
    - اخرجي.
    وامتصت إيمان ريقها وقالت في صوت مضطرب:
    - اجلسي يا أم إبراهيم.
    جلست وهي تمسح بقايا دموعها التي انهمرت على الرغم من محاولة إخفائها.
    - ما بك؛ مما كنت تشكين؟
    فردت الأخرى بحزن وأسي:
    - كنت تعبانة يا بنتي.
    - سلامتك من التعب.
    - الله يسلمك يا بنتي ويخليك.
    - وليه كنت تبكين يا أم إبراهيم؟
    - سامحيني يا بنتي، أنا غلطانة، دخلت عليك من غير استئذان.
    - أنا مستعدة أن أسامحك إذا قلت لي الصدق.
    - كيف يا بنتي؟
    - وما هو السبب الذي جعلك تفعلين ذلك؟
    - الله وحده يعلم أن الشوق والحنين لك هو الذي دفعني دون أن أقصد ذلك؛ يا بنتي! الله حط في قلبي محبتك.
    وأحست إيمان برجفة تهز جسدها وبجفاف يسيطر على حلقها، ثم قالت بعد تردد وتفكير:
    - أنا جديدة وما عاشرتني كثيراً، معقول كلامك هذا؟
    واحتارت أم إبراهيم في الجواب الذي تنتظره منها إيمان، ثم قالت بسرعة وكأنها تطرد بذلك حملاً ثقيلاً ناءت بحمله منذ سنوات:
    - كانت عندي بنت تشبهك تمامًا.
    - بنت؟!
    قالت ذلك وشعرت بالدماء تتصاعد حارقًة إلى وجهها.
    - أجل بنت.
    - وأين.. أين هي الآن؟
    - إنها.. الله يرحمها ويرحمني معها.
    - متى توفيت؟ وكيف؟ وهل كانت..
    ألقت إيمان بأسئلتها الواحد تلو الآخر دون أن تعطي أم إبراهيم أدنى فرصة للإجابة عليها، ولما بدأت في الإجابة؛ رن الجرس؛ فخرجت مسرعًة محتجًة بالعمل وكأنها تهرب من شبح يطاردها.
    وعادت إيمان إلى البيت ورأسها يكاد ينفجر من كثرة التفكير والأسئلة التي سألتها دون جواب شاف لها، ونامت ليلة قلقة وهي تعد الساعات حتى يأتي الصباح لتسألها من جديد؛ لعلها تعرف شيئًا عن سر تصرفاتها؛ لأن كلامها عن ابنتها لم يقنعها ولم تصدقه، ومضت تتساءل بينها وبين نفسها:
    - ترى؛ هل تكون أمي؟ ولو كانت هي؛ فكيف عرفتني وهي لم ترني منذ سنوات طويلة؟ وهل صحيح أن لديها ابنة تشبهني وتوفيت؟ وهل يكون الشبه إلى هذا الحد؟ ولكن.. لو كانت ابنتها متوفية لم قالت الله يرحمها ويرحمني معها؟ هل يكون.. ولكن الرحمة تجوز على الحي والميت.
    وراحت تتقلب على فراش من الشوك والألم دون أن تخرج بنتيجة حاسمة.
    وفي الصباح عندما غادرت البيت؛ قررت أمرًا بينها وبين نفسها، وأصرت بإرادة من حديد وعزيمة لا تكل أن تبحث حالة أم إبراهيم عن بعد أولاً ثم عن قرب؛ لعلها بذلك تصل إلى ما يطفئ قلبها ويخلصها من جنون تفكيرها.
    وبعد محاولة من البحث الجاد والمستمر؛ عرفت أن أم إبراهيم وحيدة مقطوعة من كل قريب، وأنها لم تكن من أبناء هذه المنطقة أصلاً، وأنها كانت تعمل قبل ذلك في دار للرعاية الاجتماعية، ولكن بقي أن تعرف أين كانت تعمل قبل ذلك، كما عرفت أن لديها ابنة كما تقول، ولكن أحدًا لم يعرفها ولم يشاهدها معها ولو مرة واحدة؛ إذًا مهمتها الآن أن تحاول أن تعرف منها ما لم تعرفه بطريقتها الخاصة.
    وظلت إيمان تتحين الفرص المناسبة لتجتمع بأم إبراهيم وتتحدث معها عن ماضي حياتها، ووجدت أم إبراهيم في الحديث مع إيمان سعادة كبيرة وراحة عميقة، ونسيت نفسها تمامًا وراحت تحدثها بكل صغيرة وكبيرة عن حياتها؛ فكان مما قالته في معرض حديثها:
    - كنت وحيدة أمي وأبي – وكان أبي رجلاً ثريًا، وكانت طلباتي جميعها مجابة، وكنا نقيم في إحدى ضواحي مدينة كبيرة، وكان معارف أبي كثيرين بحكم عمله وضيوفنا أكثر، وحدث ذات يوم أن زارنا ضيوف من المنطقة الشرقية ومكثوا عندنا يومين، ولا أدري كيف رآني من حيث لا أراه، وإذا به يتصل بي تلفونيًا ذات يوم بعد سفره، ولم أقفل السماعة لأول وهلة لظني أنه يريد الاستفسار عن أبي، وحين أدركت أنه يريد أن يحدثني عن مشاعره؛ أقفلت السماعة.. وتكررت هذه المكالمات عدة مرات، وكان بين فترة وأخرى يأتي لزيارتنا أثناء وجوده للعمل هنا، ولا أكتمك يا ابنتي أنني بادلته الشعور نفسه، مودة بمودة؛ عندما أدركت صدق نيته وحسن مقصده وأمله في الزواج مني، وتقدم بخطبتي من أبي، وفوجئنا بالرفض الجارح على الرغم من أنه ميسور الحال، وكان اعتراض أبي على أنه ليس من منطقتنا، وأنه لا يرغب في زوج غريب يشاركه في كل شيء حتى في ابنته الوحيدة.
    وحاول الأهل التدخل عن طريق الإقناع ولكنه رفض وأصر على رأيه، وتمسكت برأيي ورفضت كل من تقدم لي؛ فجن جنون أبي، ونسى مع غضبه على وحقده عليه محبته لي، كما نسي أنني وحيدته، وسعادتي هي أهم ما يرجوه من الدنيا؛ فأصر على تزويجي رغمًا عني، ولم أجد أمامي إلا الرفض والبكاء حتى مرضت وساءت حالتي؛ فتنازل عن رأيه في إرغامي على الزواج، وخيرني بين الزواج منه – أعني فهدًا، وكان هذا اسمه – وبين حرماني من حقوقي في وراثته؛ فاخترت الزواج بالإنسان الذي اشتراني وأهداني قلبه، وبعت المال الذي لا سعادة فيه ولا منه بعد أن يتحطم قلبي..
    - آه يا ابنتي؛ إن قصتي مأساة وأنا لا أحب أن أطيل عليك وأعذبك معي.
    وراحت تجفف قطرات الدموع التي شقت طريقها إلى وجنتيها في خضوع.
    - لا عليك يا أم إبراهيم، تابعي حديثك؛ أحب أن أسمعك.
    وندت عنها آهة حملتها كل ما في أعماقها من حزن وأسي، ثم قالت:
    - تزوجنا، وكان عرسًا أشبه بمأتم؛ إلا أنني وإياه كنا في غاية السعادة والفرح، وطاف بي عددًا من دول العالم بحكم عمله كتاجر، وعدنا بعد عدة شهور من السعادة وكنت حينذاك حاملاً في الشهر الرابع، ولم تمض أيام قليلة على عودتنا حتى فوجئنا بنبأ وفاة أبي غرقًا في البحر، ثم لحقته أمي بعد شهور قليلة تأثرًا عليه، وتلقيت النبأ المفجع وأنا في فترة النفاس، ولحظة ذاك لم أستطع الصبر؛ فأخذني فهد إلى أهلي، وفي طريق العودة..
    وتوقفت فجأة لتمسح سيل الدموع المنهمر في غزارة، ثم راحت تنتحب بصوت مكتوم؛ فمضت إيمان تهدئ من روعها، وتخفف عنها وهي تبكي تأثرًا عليها، وقد أحست بدقات قلبها تتلاحق في جنون، ولما هدأت قليلاً؛ قالت:
    - وفي طريق العودة انقلبت السيارة بنا؛ فتوفي زوجي – رحمه الله – وبقيت فاقدة الوعي مدة من الزمن، وحين عادت لي ذاكرتي قيل إن زوجي قد توفي، وأنهم لا يعرفون شيئًا عن ابنتي؛ لأن المستشفي الذي أنا فيه الآن ليس هو المستشفي الذي نمت فيه بعد الحادث، وكل العاملين قد تغيروا بسبب السفر أو النقل لمكان آخر، وكنت في حالة نفسية سيئة للغاية، وخرجت من المستشفي لا أدري أين أنا، ووجدت نفسي وحيدة غريبة وسط مأساة لا أقوى على تحملها وحدي، ولم أجد أمامي – بعد الله سبحانه وتعالى – غير مدير المستشفي الذي أرقد فيه، وطلبت منه بإلحاح شديد أن يٍسأل مدير المستشفي السابق عن مصير ابنتي، وبعد عدة اتصالات معه واستفسارات أفاد أنه لا يوجد في سجلات المستشفي ما يفيد دخولها المستشفي يوم الحادث؛ وكنت في حالة معاناة سيئة جعلتني أظن أن ابنتي توفيت، ولما شاهد مدير المستشفي سوء حالتي؛ طمأنني بأنه سوف يبحث عنها؛ فقد يكون حدث خطأ ما أثناء تسجيل الاسم عند إحضارها للمستشفي.
    ومضت فترة من الزمن قال لي بعدها مدير المستشفي إنهم اكتشفوا أن الموظف المسؤول عن السجلات لم يسجل دخول أية طفلة وقت الحادث؛ رغم قول بعض الممرضات بوجود طفلة، وكانت فيها حبتي خال قريبتين من كتفها الأيسر.
    كانت إيمان تنصت لحديث أم إبراهيم وقلبها في حالة صراع كبير من الفرح والسرور، وأعصابها تكاد تخرج عن طورها، وما إن أنهت أم إبراهيم تكاد تخرج عن طورها، وما إن أنهت أم إبراهيم حديثها؛ حتى بادرتها إيمان بصوت متلجلج من شدة الفرح:
    - وماذا تفعلين لو وجدتها أمامك؟
    ذهلت أم إبراهيم وسرت رجفة في جسدها، وقالت باضطراب ممزوج بفرح ودموع:
    - ماذا قلت.. لو وجدتها أمامي.. أمامي..
    أنت تقصدين.. لا يا رب؛ هل يمكن أن تكو..؟
    وقاطعتها إيمان والدموع تخنقها قائلة:
    - أنا.. أنا يا أم إبراهيم، على جهة كتفي الأيسر حبتي خال.
    - أنت.. أنت؟!
    ولم تستطع أم إبراهيم أن تنظر أكثر، بل مدت يديها بكل لهفة وشوق وحنين السنين وجسدها يهتز فرحًا وسعادة، واحتضنت إيمان وهي تقول:
    - ابنتي إيمان قرة عيني، أخيرًا جمعني الله وإياك؛ اللهم لك ألف حمد وألف شكر.
    وكانت إيمان لا تقل عنها فرحًة ولهفة، ومضت تقبل رأسها ويديها وتكرر كلمة أمي.. أمي الحبيبة، وكأنها بذلك تعوض عن حرمانها تلك السنين العجاف.

    تمَّت بحمد الله تعالى




      الوقت/التاريخ الآن هو 14.05.24 10:27