الرئيسية
أحدث الصور
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلام ُعلى نبينا محمد وءاله ، أما بعد.
فاعلم يا أخي الحبيب أن الطريق إلى الله عز وجل لابد له من أعداء قاعدين له ،وأن هؤلاء الأعداء أهل فلسفة وسفسطة وعبث بالشبهات.
وقد أمَرَنا ربنا عز وجل باجتنابهم ، وحذرنا رسوله صلى الله عليه وسلم منهم ، قال الله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تلا هذه الآيات"إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه مِنهُ ، فأولئك الذين سَمَّىَ اللهُ،فاحذَرُوهُم"متفق عليه وكان سببُ تحذيرِ النبي صلى الله عليه وءاله وسلم لنا هو خوفه علينا أن يضلونا عن سبيل الله بإتباع هذا المتشابه ،فحذَّرَنا مِن سُلوك طريقهم ونهانا عن الاستماع لشُبَههِِم خَشية أن يُضلونا ..... وإذا علِمتَ هذا ، فقد وَجَبَ عليك أن تتعلمَ مِن دين الله ما يصِير لك سِلاحاً تقاتلُ به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }
واعلم أيها اللبيب أن جُندَ اللهِ همُ الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموَحِّدِ الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح.
وقد منَّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله { تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }فلا يأتي صاحبُ باطلٍ بحُجَّةٍ إلَّا وفي القرءان ما ينقُضُهَا ويُبَيِّنُ بُطلانَها كما قال تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }
وإن من أشرِّ وأشدِّ أعداء التوحيد هؤلاء القوم عُبَّاد القُبُورِ الذين تركوا إخلاص الدين لله تبارك وتعالى ، وأشركوا مع الله غَيرَهُ من الأنبياء والأولياء، فأقاموا لهم الموالد وطلبوا منهم الحوائج ، ولهؤلاء القوم شُبَهٌ كثيرة يُلبِّسُونَ بها على عِباد الله لِيَجتالُوهُم عن دينهم متَّبِعِينَ المُتشابِه من القرءان ليلبسوا به على باطلهم ، تاركين الآيات المحكمات لأنها تفضحهم وتكشف عوارهم ، .والله المستعان على كيدهم ،. نَسأَلُهُ سُبحانه أن يرد كَيدَهُم في نحورهم وأن يجعلَ تدبيرهم تدميرهم وأن يقطع دابرهم ، والحمد لله رب العالمين .
وإن مِن شُبَهِهِم أنهم يقولون : نحن لا نُشركُ بالله، فنحن نشهدُ أنه لا يَخلقُ ولا يرزقُ ولا ينفعُ ولا يَضُرُّ إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم وكذلك الأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، فنحن نتخذهم شفعاء لنا.هذا هو غاية الأمر.
فقُل لهم : إنَّ الذين قاتَلَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم واستباح دمائهم وأموالهم كأبي جهل وأبي لهب وغيرهم من المشركين كانوا مُقِرِّين بذلك ، مُعترفين بأن أوثانهم لا تملك شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة فقط . فهل أغنى عنهم هذا الإقرار شيئاً؟ كلا واللهِ ، لَم يُغنِ عنهم شيئاً، بل عاشوا مُشركين وماتوا مُشركين وصاروا إلى الجحيم.وقد أمَرَ الله عز وجل رسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يسأل هؤلاء المشركين وأخبره بجوابهم مسبقاً : {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }يونس 31 ونحن نقول لعُبَّاد القبور : ما الفرق بينكم وبين أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط إذاً؟ وقال تعالى{ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{85} قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ{87} قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ{89} فما الذي يُمَيِّزُكُم عن الوليد بن عتبه ، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ؟ وقال تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61 ، وقال عز مِن قائل{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }العنكبوت 63 وقال سبحانه{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان 25 وقال عز وجل{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ }الزخرف9 وأخبرنا عنهم سبحانه {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87 وأخبرنا أيضا عز وجل {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }الزمر38 ، فها هم جميع المشركين كانوا يشهدون بهذا الذي تشهدون به فما الذي يميزكم عنهم إذاً؟ هاهم يشهدون أن الله هو الذي خلق ورزق وأنه مالك الملك ومدبر الأمر فلماذا حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولماذا أخرجوه من بلده وحاربوه وعذبوا أتباعه؟...إنما حاربوه لأنه صلى الله عليه وسلم أمَرَهُم بشيئين : أن يتوجَّهوا لله وحده في العبادات ، وأن لا يُشركوا معه أحدا في أمور العبادة من الدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء وغيرها من العبادات قال سبحانه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}وقال تبارك وتعالى{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} إلى غيرها من الآيات الدالة على وُجُوب التوحيد ، وأن لا يُعبَدَ أحدٌ إلا الله فلا يستغاث إلا بالله ولا يُدعى إلا الله ولا يُذبح إلا لله ولا يُنذر إلا لله ولا تُطلب الحوائج إلا من الله وحده لا شريك له سبحانه وتعالى عما تُشركون وتفترون.أفلا تعقلون؟
فلَربَّما قالوا لك : إنَّ الآياتِ التي ذكَرتَهَا نَزَلَت فِيمَن يَعبدُ الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.
فقل لهم : إنَّ كل مَن عَبَدَ شيئا غيرَ الله فقد جَعَلَ مَعبُودَهُ هذا وثناً، فأيُّ فَرقٍ بين مَن عَبَدَ الأصنام وبين مَن عَبَدَ الأنبياء والأولياء؟
فالمشركون مِنهم مَن يدعو الأصنام لطلب الشفاعة، ومنهم من يعبد الأنبياء أو الملائكة أو الجن أو الأولياء، لذا قال الله للذين يتوجهون بالدعاء للأولياء{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الأعراف194 وقال سبحانه{ أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }الإسراء57 وقال عز من قائل{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ{22} وقال جل جلاله عن الذين يعبدون الأنبياء {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } وحَكَى سبحانه عن الذين يعبدون الملائكة والجن { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41}وحَكَى سبحانه وتعالى قول الجن المؤمنين {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً{6} فهذه الشبهة تلبيسٌ مِن عُبَّاد القبور ،. أولاً : لأن مِن المشركين من كان يعبد الأولياء ثانيا : أنه لا فَرقَ أصلاً بين من يعبد الأولياء والأموات وبين من يعبد الحجارة والأصنام لأن كلا الفريقين عَبَدَ مَن لا يُغني عَنهُ شيئاً.
فيا عُبَّاد القبور : إن هؤلاء الذين في الأضرحة {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} كانوا وهم أحياء لا يدعون إلا الله لأنه ربٌّ ، والربُّ وحده هو القادر على قضاء حوائج عباده.. يا عُباد الأموات {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } إن هؤلاء الأموات كانوا وهم أحياء{يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}فلماذا لا تُقلدوهم في ذلك
إن هؤلاء الذين تدعونهم ليل نهار{ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أسألكم بالله كما سأل ابراهيم عليه السلام قومه { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{74} قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ{75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ{76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ{77} الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ{79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ{81} وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} فارجعوا إلى ربكم قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي تقولون فيه لهؤلاء الأموات{تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومن أضل ممن يُسَوَّي العبدَ الفقيرَ بالرب القدير العظيم السميع البصير القريب المجيب ؟لذا فقد حَكَمَ ربنا بكُفرِ من يدعو الأصنام وبِكُفر من يدعو الصالحين سواءاً بسواء ولم ينفع العابدين كونُ المعبودين من الأنبياء أو الأولياء.
فإن قالوا لك: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.
فقل لهم : إنَّ كَلامَكُم هذا يَدُلُّ على جهلكم بالدين كله ، {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة140 { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } أنتم تقولون أن الدعاء ليس عبادة ! كيف هذا والله يقول{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}غافر . فجَعَلَ الذين استكبروا عن دُعائه مُستكبِرين عن عِبادته سبحانه ،وحكى عن إبراهيم قولَه لِقومه{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً{48}فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً}فقال لقومه : وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ،فقال الله : فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ، فهل أُصَدِّقُ الله ربي أَصْدَق القائلين أم أُصَدِّقُكُم أيها الدجالون الكذَّابون ؟ وأيضا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم أنه قال"الدعاء هو العبادة " وهذه عبارة واضحة صريحة لا تحتمل التأويل فهل أصدقكم وأُكذِّبُ رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم؟وأخبر ربي بأن المساجد له وحده ونهى عن دعاء غيره{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}الجن18 فلماذا تبنون الأضرحة في المساجد ؟ أتريدون أن تشركوا بالله في مساجده؟ وقد نَهَى ربي عز وجل عن التوجه بالدعاء لغيرهِ وأخبرنا أنه من دَعَا غيرهُ صار مُشرِكاً{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}الجن20 ، وكما أمرنا بعدم الصلاة لغيره سبحانه أمرنا كذلك بعدم الذبح لغيره قال تعالى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}فلماذا تذبحون للأولياء نَابِذِينَ أوامر الله وراءَ ظهوركم؟ وماذا يكون الشرك إذاً إن لم تكن أفعالكم هذه هي الشرك بعينه ؟
فإن قالوا لك: إن كفار مكة كانوا يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يكشفوا عنهم الضر ، ونحن لا نريد هذا إلا من الله ونعلم أن الصالحين ليس لهم من الأمر شيء، ولكننا نتقرب بهم إلى الله ليقبل دعائنا .
فقل لهم :إن هذا هو قول المشركين بعينه، قال تعالى عن المشركين الذين حَارَبهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }وقال عز وجل{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}الزمر 3 فهكذا كانوا يقولون أنهم لا يدعون الشركاء إلا ليقربوهم إلى الله ، فهل تشعرون بفرقٍ بين قولكم وقولهم ؟وفعلكم وفعلهم؟ فالسؤال لكم أيضا يا عُبَّاد القبور : لماذا تعبدون من دون الله ما لا يضركم ولا ينفعكم وتقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟ أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عما تشركون.لماذا تدعون الأولياء ليقربوكم إلى الله زُلفَى؟ أفلا تتدَبَّرُون القرءان ؟ أم على قُلوبٍ أقفالُها؟
حينئذٍ سيلجأون لحيلة للتشنيع فيقولون لك: أنت تكره الأولياء الذين قال الله عنهم {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءاللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . }
فقل لهم : هذه دعوى كاذبة ، بل أنا أحب كل أولياء الله عز وجل وكيف اكرههم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللهَ قال : من عَادَى لِي وَلِيَّا فقد آذَنتُهُ بالحرب ولكن من هم الأولياء ؟{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}فكل من آمن واتقى صار ولياً لله ، فلماذا حصرتم الولاية في هؤلاء المقبورين الأموات؟ ثم مَن قالَ أنَّ حُبَّ الأولياءِ يقتضي عبادتهم ودعائهم والذبح والنذر لهم والطواف بقبورهم وإقامة الموالد عند أضرحتهم؟ هل سمعتم عن أحد من الصحابة بَنَى ضريحاً لأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو أبي عبيدة أو غيرهم؟ بالطبع لم يفعلوا ، فهل لم يكن هؤلاء أولياء؟ أم أن الصحابة لم يكونوا يحبونهم؟ أم أنكم مبتدعة ضُلَّال لا تملكون إلا التشنيع ورمي التُهم جُزافا؟ إن اليهود زَعَمُوا مَحَبَّة عُزَيرٍ عليه السلام فَعَبَدُوه ، والنصارى زعَمُوا محبة المسيح فَعَبُدوه ، بل إن أَصلَ ظُهُورِ الشِركِ على وجه الأرض هو ادعاءُ محبة الصالحين فاقرأوا كلام بن عباس في تفسير قول الله تعالى{ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قال: "هذه أسماءُ رجال صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا أوحَى الشيطانُ إلى قومهم أن انصُبُوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسَمُّوها بأسمائهم فَفَعَلُوا، ولم تُعبَد، حتى إذا مات أولئك ونُسِيَ العِلمُ عُبِدَت".رواه البخاري وقال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم" فأصْلُ ظُهُورِ الشِركِ هو غُلُوِّ أجدادكم في الصالحين حتى انتهى الأمر إلى العبادة .لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تُطرُونِي كما أَطرَت النصارى ابن مريم إنما أنا عَبد، فقولوا عبدُ اللهِ ورسولُه " أخرجه البخاري، فخالفتم أمره وأطريتموه بل أطريتم أوليائكم المزعومين وقال إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو "فغلوتم وهلكتم ، وفال عليه الصلاة والسلام لا تجعلوا قبري عيدا صححه النووي والسخاوي وبن حجر وغيرهم فجعلتم قبور الأولياء أعيادا وأقمتُم حولها الموالد ، وقال وهو في مرض موته صلى الله عليه وسلم: لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا .رواه مسلم ،فاتخذتم القبور مساجد لتحل عليكم لعنة الله وقال هَلَكَ المُتنَطِّعُون، قالها ثلاثا رواه مسلم،فتنطَّعتم فهلكتم .أبَعدَ كل هذه المخالفات تَدَّعُونَ محبتكم لأولياء الله؟ كيف تَزعُمُونَ ذلك وأنتم لا تُحِبُّونَ الله أصلاً؟ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ }آل عمران31 ، فأين إتباع رسول الله يا مَن تزعمون المحبة؟بل أنتم كما قال الله { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }يا مَن عَدَلتُم باللهِ أموَاتَاً وأعطَيتُمُوهُم حَقَّهُ مِنَ الدعاء والتعظيم وسَوَّيتُم بينه وبين عباده لكم الذِلَّةُ في الدنيا،ويوم القيامة ستقولون للمقبورين في هذا القبور : {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . } .