إخواني الكِرام، أخَوَاتي الكريمات، سلام عليكم من الله ورحمةٌ وبركات.
وبعدُ:
فلا تَخْفى عليكم الهجمةُ الشَّرِسَة على أصحاب نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - من قِبَل الرافضة، الذين يزعمون أنَّهم موالون وشيعة لأهْل البيت، وقد آذوا سيِّدَ ذلك البيت في أهْله وأصحابه، فكالوا لهم التُّهَمَ جزافًا، وناصبوهم العَدَاء بُغْضًا وطُغيانًا.
وإنَّ من أشْنعِ الكَذب، وأعظم الافتراء قذْفَهم أُمَّنا - أُمَّ المؤمنين - عائشة - رضي الله عنها - بما سمَّاه الله إفْكًا، وسبحان الله! أيُّ مَحبَّة تلك التي يزعمون لآل البيت وهم يقذفون أهله بالفاحشة؟! فو الله لبُغْضُك إيَّاي مع عِفَّة لسانك عن أهْل بيتي أحبُّ إليّ مِن زَعْمِك مَحبَّتي ولسانك ينهشُ في أهْلي وعِرْضي.
تأمَّلتُ آية الإفْك في سورة النور، وعَرَضْتُها على قول الرافضة في أُمِّنا عائشة - رضي الله عنها - ووقفتُ معها وقفاتٍ:
الوقفة الأولى: تكذيب الرافضة للقرآن صراحة، وهذا من عادتهم ودَيْدَنهم، كيف لا والتَّقيَّة دِينٌ عندَهم؟! وليس المقامُ مقامَ عَرْضٍ لأكاذيبهم وأباطيلهم؛ إذ المقام عند هذا يطول، لكنْ يهمُّنا عَرْضُ تكذيبهم لآية الإفك خصوصًا، وتكذيبهم لآية الإفك من وجوه:
أولُها: أنَّ الله سمَّاه إفْكًا؛ {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ} [النور: 11]، وكذبوا القرآن وقالوا: حقٌّ وصِدق.
ثانيها: أنَّ الله لم يكتفِ بكونه إفكًا فقط، بل جعلَه إفكًا مُبينًا، بَيِّنَ البُطْلان، ظاهر التكذيب؛ ولهذا أرشدَ الله المؤمنين إلى قول ذلك: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]، والرافضة كذَّبوا القرآن, وقالوا : هذا حقٌّ مُبين.
ثالثها: أنَّ الله سمَّاه بُهتانًا عظيمًا؛ {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، والرافضة كذَّبوا القرآن، وقالوا: صِدْق، ورموها به.
الوقفة الثانية: عدمُ ارتداعِ الرافضة بمواعظ القرآن وزواجرِه؛ وذلك لأنَّ الرافضة ليسوا من أهْل الإيمان، وقد قال الله - تعالى -: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، يهديهم للحقِّ وللطريق المستقيم.
وليسوا من أهْل العلم، وقد قال - تعالى -: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
ولا نصيبَ لهم من التقوى، وقد قال - تعالى -: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 1 - 2].
ويتبيَّن لنا عدمُ ارتداع الرافضة وانتفاعهم بمواعظِ القرآن وزواجرِه في ضوء آية الإفك من وجوه:
أوَّلُها: أنَّ الله توعَّد مَن تزعَّمَ هذا الإفْك وتولَّى إذاعتَه ونشْرَه بالعذاب العظيم؛ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]، وهاهم الرافضة يتزعَّمون القولَ به وينشرونه، ويصرِّحون به ولم يرتدعوا بزاجرِ القرآن.
ثانيها: أنَّ الله أخبَر أنَّ هذا الإفْك عظيمٌ عندَه، لا يرضاه لخليله ومُصْطَفاه؛ {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وما كان عظيمًا عندَ الله يجبُ أنْ يُعَظَّمَ ويحذر منه غايةَ الحَذَر، ولكنَّ الرافضة استهانوا بما عظَّمه الله واجترؤوا على محارمِ الله؛ لأنَّهم لم يرتدعوا بزواجرِ القرآن.
ثالثها: أنَّ الله وعَظَ المؤمنين وحذَّرهم أنْ يعودوا للرمْي بالإفك مرة أخرى؛ {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17]، ولَمَّا لم ينتفعِ الرافضة بمواعظ القرآن، عادوا للرَّمْي والاتهام الباطل؛ لأنَّهم لم يحققوا شرطَ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فلمَّا خَلوا عن وصْف الإيمان، عادوا للرَّمْي بالباطل والبُهْتان.
رابع تلك الوجوه: أنَّ الله توعَّد مَن يُشيع الفاحشة وينشرُها بالعذاب الأليم في الدَّارَيْن؛ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19]، وهل من زاجرٍ وواعظٍ أعظم من ذلك؟! فكيف إذا كانَ ذلك في حقِّ زوج حبيب الله وخَليله، والرافضة لم يبالوا بهذا الزاجر الذي لو زُجِر به جبل، لتصدَّع وارتدع؟!
الوقفة الثالثة: الرافضة أبعدُ الناس عن وصْف الإيمان؛ مَن نظَرَ في كُتب الرافضة، وتأمَّل في معتَقَدِهم، تبيَّنَ له براءةُ الإيمان منهم؛ إذ كيف يُوصَفُ بالإيمان مَن كَذَّب الله ورسولَه، وعادَى أصحابَه؟! وتبيَّنَ لي ذلك في ضوء آية الإفْك من وجهين:
أحدها: أنَّ الله أرشَدَ المؤمنين إلى أنْ يُحْسنوا الظنَّ بإخْوَانهم، وأنْ يظنَّ بعضُهم ببعضٍ خيرًا؛ إذ الأصل براءة المؤمن مما رُمِي به، وأنَّ ما معه من الإيمان يمنعُه من فِعْل القبيح؛ {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]، فالمؤمن حقُّ الإيمان لا يَرمِي أخاه بالفاحشة، ولَمَّا خَلَتِ الرافضة عن وصْف الإيمان، رَموا الحَصَان الرَّزَان أُمَّ المؤمنين بما رَموها به.
ثانيها: كما ذكرتُ آنفًا مِن توعُّدِ الله مَن يعود للرَّمِي بالإفك؛ {َعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17].
ومفهوم الشرط المخالِف: إنْ عُدتم، فلستُم بمؤمنين، وصَدَق الله، ومَن أصدقُ مِن الله قيلاً؟!