القسم الثاني
من كتاب (مصطلح الحديث)
بسم الله الرحمن الرحيم
أقسام الخبر باعتبار من يضاف إليه:
ينقسم الخبر باعتبار من يضاف إليه إلى ثلاثة أقسام: أ - المرفوع ب - الموقوف ج - المقطوع.
أ - فالمرفوع:
ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وينقسم إلى قسمين: مرفوع صريحاً، ومرفوع حكماً.
1 - فالمرفوع صريحاً: ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم نفسه من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف في خُلُقه، أو خِلْقَتِه.
مثاله من القول: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"[52] .
و مثاله من الفعل: كان صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل بيته بدأ بالسواك[53] .
و مثاله من التقرير: تقريره الجارية حين سألها: "أين الله؟"[54] قالت: في السماء، فأقرها على ذلك صلّى الله عليه وسلّم.
وهكذا كل قول، أو فعل علم به النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم ينكره، فهو مرفوع صريحاً من التقرير.
و مثاله من الوصف في خُلُقه: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس وأشجع الناس، ما سئل شيئاً قط فقال: لا. وكان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون إثماً فيكون أبعد الناس عنه.
و مثاله من الوصف في خِلْقَتِه: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ربعة من الرجال: ليس بالطويل، ولا بالقصير، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، وربما يبلغ منكبيه، حسن اللحية، فيه شعرات من شيب.
2 - والمرفوع حكماً: ما كان له حكم المضاف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أنواع:
الأول - قول الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي ولم يكن تفسيراً، ولا معروفاً قائله بالأخذ عن الإسرائيليات، مثل أن يكون خبراً عن أشراط الساعة، أو أحوال القيامة، أو الجزاء.
فإن كان من قبيل الرأي فهو موقوف.
وإن كان تفسيراً فالأصل: له حكم نفسه، والتفسير موقوف.
وإن كان قائله معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فهو متردد بين أن يكون خبراً إسرائيلياً، أو حديثاً مرفوعاً، فلا يحكم فيه بأنه حديث للشك فيه.
وقد ذكروا أن العبادلة وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، أخذوا عن أحبار بني إسرائيل: من كعب الأحبار، أو غيره.
الثاني - فعل الصحابي إذا لم يمكن أن يكون من قبيل الرأي، ومثلوا لذلك بصلاة علي رضي الله عنه في الكسوف أكثر من ركوعين في كل ركعة.
الثالث - أن يضيف الصحابي شيئاً إلى عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يذكر أنه علم به. كقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: ذبحنا على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فرساً، ونحن في المدينة فأكلناه[55] .
الرابع - أن يقول الصحابي عن شيء بأنه من السنة. كقول ابن مسعود رضي الله عنه: من السنة أن يخفي التشهد، يعني في الصلاة[56] .
فإن قاله تابعي، فقيل: مرفوع، وقيل: موقوف. كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس[57] .
الخامس - قول الصحابي: أمرنا أو نهينا أو أمر الناس ونحوه، كقول أم عطية رضي الله عنها: أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق[58] ، وقولها: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا[59] ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت[60] ، وقول أنس رضي الله عنه: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك فوق أربعين ليلة[61] .
السادس - أن يحكم الصحابي على شيء بأنه معصية؛ كقول أبي هريرة رضي الله عنه فيمن خرج من المسجد بعد الأذان: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم[62] .
وكذا لو حكم الصحابي على شيء بأنه طاعة. إذ لا يكون الشيء معصية أو طاعة إلا بنص من الشارع، ولا يجزم الصحابي بذلك إلا وعنده علم منه.
السابع - قولهم عن الصحابي: رفع الحديث أو رواية؛ كقول سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيَّة نار، وأنهى أمتي عن الكي"[63] ، رفع الحديث، وقول سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب"[64] .
وكذلك لو قالوا عن الصحابي: يأثر الحديث، أو ينميه، أو يبلغ به ونحوه، فإن مثل هذه العبارات لها حكم المرفوع صريحاً، وإن لم تكن صريحة في إضافتها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لكنها مشعرة بذلك.
ب - والموقوف:
ما أضيف إلى الصحابي، ولم يثبت له حكم الرفع.
مثاله : قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.
ج - والمقطوع:
ما أضيف إلى التابعي فمن بعده.
مثاله : قول ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وقول مالك: اترك من أعمال السر ما لا يحسن بك أن تعمله في العلانية.
الصحابي:
أ - تعريف الصحابي ب - حال الصحابة ج - آخرهم موتاً وفائدة معرفته د - المكثرون من التحديث:
أ - الصحابي:
من اجتمع بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، أو رآه مؤمناً به، ومات على ذلك.
فيدخل فيه: من ارتد ثم رجع إلى الإسلام: كالأشعث بن قيس؛ فإنه كان ممن ارتد بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجيء به أسيراً إلى أبي بكر، فتاب وقبل منه أبو بكر رضي الله عنه.
ويخرج منه: من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ولم يجتمع به: كالنجاشي، ومن ارتد ومات على ردته: كعبد الله بن خطل قتل يوم الفتح، وربيعة بن أمية بن خلف ارتد في زمن عمر ومات على الردة.
والصحابة عدد كثير، ولا يمكن الجزم بحصرهم على وجه التحديد، لكن قيل على وجه التقريب: أنهم يبلغون مئة وأربعة عشر ألفاً.
ب - حال الصحابة:
والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم وإن كان مجهولاً، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر.
والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله في عدة نصوص، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟"، قال: نعم. قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله؟"، قال: نعم. قال: "يا بلال أَذِّن في الناس فليصوموا غداً"[65] . أخرجه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
ج - وآخر الصحابة موتاً على الإطلاق:
عامر بن واثلة الليثي مات بمكة سنة 110 من الهجرة، فهو آخر من مات بمكة.
وآخر من مات بالمدينة: محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي مات سنة 99هـ.
وآخر من مات بالشام في دمشق: واثلة بن الأسقع الليثي مات سنة 86هـ.
وفي حمص: عبد الله بن بسر المازني سنة 96هـ.
وآخر من مات بالبصرة: أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي مات سن 93هـ.
وآخر من مات بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي مات سنة 87هـ.
وآخر من مات بمصر عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مات سنة 89هـ.
ولم يبق منهم أحد بعد سنة عشر ومئة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آخر حياته فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مئة سنة منها، لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"[66] . متفق عليه. وكان ذلك قبل موته بشهر. كما رواه مسلم من حديث جابر.
وفائدة معرفة آخر الصحابة موتاً أمران:
أحدهما: أن من تأخر موته عن هذه الغاية لم تقبل منه دعوى الصحبة.
الثاني: أن من لم يدرك التمييز قبل هذه الغاية فحديثه عن الصحابة منقطع.
د - المكثرون من التحديث:
من الصحابة من أكثروا التحديث فكثر الأخذ عنهم، والذين تجاوز الحديث عنهم الألف هم:
1 - أبو هريرة رضي الله عنه روي عنه (5374)
2 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، روي عنه (2630)
3 - أنس بن مالك رضي الله عنه، روي عنه (2286)
4 - عائشة رضي الله عنها، روي عنها (2210)
5 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، روي عنه (1660).
6 - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، روي عنه (1540)
7 - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، روي عنه (1170)
ولا يلزم من كثرة التحديث عن هؤلاء أن يكونوا أكثر أخذاً من غيرهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. لأن قلة التحديث عن الصحابي قد يكون سببها: تقدم موته؛ كحمزة رضي الله عنه عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو انشغاله بما هو أهم؛ كعثمان رضي الله عنه، أو الأمرين جميعاً؛ كأبي بكر رضي الله عنه فقد تقدم موته، وانشغل بأمر الخلافة، أو غير ذلك من الأسباب.
المخضرم:
أ - تعريفه ب - حكم حديثه:
أ - المخضرم:
من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ولم يجتمع به.
والمخضرمون طبقة مستقلة بين الصحابة والتابعين، وقيل: بل هم من كبار التابعين.
وقد أوصلهم بعض العلماء إلى نحو أربعين شخصاً فمنهم:
الأحنف بن قيس، الأسود بن يزيد، سعد بن إياس، عبد الله بن عكيم، عمرو بن ميمون، أبو مسلم الخولاني، النجاشي ملك الحبشة.
ب - وحديث المخضرم من قبيل مرسل التابعي فهو منقطع، وفي قَبوله ما في قَبول مرسل التابعي من الخلاف.
التابعي:
أ - التابعي: من اجتمع بالصحابي مؤمناً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ومات على ذلك.
ب - والتابعون كثيرون لا يمكن حصرهم، و هم ثلاث طبقات: كبرى وصغرى وبينهما.
فالكبرى: من كان أكثر روايتهم عن الصحابة مثل: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن قيس.
والصغرى: من كان أكثر روايتهم عن التابعين، ولم يلتقوا إلا بالعدد القليل من الصحابة مثل: إبراهيم النخعي، وأبي الزناد، ويحيى بن سعيد.
والوسطى: من كثرت روايتهم عن الصحابة وعن كبار التابعين مثل: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والشعبي، والزهري، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
الإسناد:
أ - تعريفه ب - أقسامه ج - أصح الأسانيد:
أ - الإسناد - ويقال: السند -: رواة الحديث الذين نقلوه إلينا.
مثاله : قول البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال"[67] .
فالإسناد: عبد الله بن يوسف، ومالك، وابن شهاب، وأنس بن مالك.
ب - أقسامه:
وينقسم إلى قسمين: عالٍ ونازل.
فالعالي: ما كان أقرب إلى الصحة، والنازل عكسه.
والعلو نوعان: علو صفة وعلو عدد.
1 - فعلو الصفة: أن يكون الرواة أقوى في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.
2 - وعلو العدد: أن يقل عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.
وإنما كانت قلة العدد علواً؛ لأنه كلما قلّت الوسائط قلَّ احتمال الخطأ، فكان أقرب للصحة.
والنزول يقابل العلو، فيكون نوعين: نزول صفة، نزول عدد.
1 - فنزول الصفة: أن يكون الرواة أضعف في الضبط أو العدالة من الرواة في إسناد آخر.
2 - ونزول العدد: أن يكثر عدد الرواة في إسناد بالنسبة إلى إسناد آخر.
وقد يجتمع النوعان علو الصفة وعلو العدد في إسناد واحد، فيكون عالياً من حيث الصفة ومن حيث العدد.
وقد يوجد أحدهما دون الآخر، فيكون الإسناد عالياً من حيث الصفة، نازلاً من حيث العدد أو بالعكس، وفائدة معرفة العلو والنزول: الحكم بالترجيح للعالي عند التعارض.
ج - أصح الأسانيد:
والتحقيق أنه لا يحكم لإسناد معين بكونه أصح الأسانيد، وإنما يحكم له بذلك بالنسبة إلى الصحابي أو البلد أو الموضوع، فيقال: أصح أسانيد أبي بكر، أصح أسانيد أهل الحجاز، أصح أسانيد حديث النزول، وقد ذكروا أصح الأسانيد بالنسبة إلى الصحابة فمنها:
أصح الأسانيد إلى أبي هريرة رضي الله عنه: الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وأصح الأسانيد إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأصح الأسانيد إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: مالك عن الزهري عن أنس.
وأصح الأسانيد إلى عائشة رضي الله عنها: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وأصح الأسانيد إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس.
وأصح الأسانيد إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر.
وأما رواية عمرو بن شعيب عن أبيه (شعيب) عن جده (أي جد أبيه شعيب) وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، فبالغ بعضهم حتى جعله من أصح الأسانيد، وردها بعضهم بأن شعيباً لم يدرك جده فيكون منقطعاً.
والراجح أنها صحيحة ومقبولة، قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: من الناس بعدهم؟ اهـ. وأما ردها بأن شعيباً لم يدرك جده فمردود؛ بأنه قد ثبت سماع شعيب من جده عبد الله، فليس فيه انقطاع حينئذٍ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أئمة الإسلام وجمهور العلماء يحتجون بحديث عمرو بن شعيب إذا صح النقل إليه. اهـ.
المسلسل:
أ - تعريفه ب - فائدته:
أ - المسلسل:
ما اتفق الرواة فيه على شيء واحد، فيما يتعلق بالراوي أو الرواية.
مثاله فيما يتعلق بالراوي: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: "يا معاذ! إني لأحبك، أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك وحسن عبادتك"[68] .
فقد ذكروا أن كل من حدث قال لمن رواه عنه: وأنا أحبك، فقل: اللهم أعني... إلخ.
و مثاله فيما يتعلق بالرواية: قول البخاري في "صحيحه": حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا زيد بن وهب، حدثنا عبد الله (يعني ابن مسعود) حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة..." الحديث[69] .
فقد تسلسل باتفاق الرواة على صيغة واحدة هي: حدثنا.
ومثل ذلك لو تسلسل بلفظ: عن فلان عن فلان.
أو تسلسل بكونه أول حديث سمعه من شيخه أو آخر حديث.
ب - وفائدة المسلسل:
بيان ضبط الرواة في أخذ بعضهم من بعض، وعناية كل واحد باتباع من قبله.
تحمُّل الحديث وأداؤه:
تحمل الحديث:
أ - تعريفه ب - شروطه - ج أنواعه:
أ - تحمل الحديث:
أخذه عمَّن حدث به عنه.
ب - وشروطه ثلاثة:
1 - التمييز: وهو فهم الخطاب ورد جوابه على الصواب، والغالب أن يكون عند تمام سبع سنين.
فلا يصح تحمل من لا تمييز له لصغر، وكذلك لو فقد تمييزه لكبر، أو غيره فلا يصح تحمله.
2 - العقل: فلا يصح تحمل المجنون والمعتوه.
3 - السلامة من الموانع: فلا يصح مع غلبة نعاس أو لغط كثير، أو شاغل كبير.
ج - وأنواعه كثيرة فمنها:
1 - السماع من لفظ الشيخ ، وأرفعه ما يقع إملاء.
2 - القراءة على الشيخ ويسمى: (العرض).
3 - الإجازة وهي أن يأذن الشيخ بالرواية عنه، سواء أذن له لفظاً، أو كتابة.
والرواية بالإجازة صحيحة عند جمهور العلماء لدعاء الحاجة إليها، ويشترط لصحتها ثلاثة شروط:
الأول - أن يكون المُجَاز به معلوماً إما بالتعيين مثل: أجزت لك أن تروي عني "صحيح البخاري"، وإما بالتعميم مثل: أجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، فكل ما ثبت عنده أنه من مروياته، صح أن يحدث به عنه بناء على هذه الإجازة العامة.
فإن كان المجاز به مبهماً، لم تصح الرواية بها مثل: أجزت لك أن تروي عني بعض "صحيح البخاري"، أو بعض مروياتي؛ لأنه لا يعلم المجاز به.
الثاني - أن يكون المجاز له موجوداً فلا تصح الإجازة لمعدوم لا تبعاً ولا استقلالاً.
فلو قال: أجزت لك، ولمن سيولد لك، أو أجزت لمن سيولد لفلان؛ لم تصح الإجازة.
الثالث - أن يكون المجاز له معيناً بشخصه أو بوصفه مثل: أجزت لك ولفلان رواية مروياتي عني، أو أجزت لطالبي علم الحديث رواية مروياتي عني.
فإن كان عامًّا لم تصح الإجازة مثل: أجزت لجميع المسلمين أن يرووا عني.
وقيل: تصح للمعدوم، وغير المعيَّن، والله أعلم.
أداء الحديث:
أ - تعريفه ب - شروط قبوله ج - صيغه:
أ - أداء الحديث:
إبلاغه إلى الغير.
ويؤدي الحديث كما سمعه حتى في صيغ الأداء، فلا يبدل: حدثني بأخبرني أو سمعت أو نحوها؛ لاختلاف معناها في الاصطلاح، نقل عن الإمام أحمد أنه قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله: حدثني، وحدثنا، وسمعت، وأخبرنا، ولا تَعْدُه. اهـ.
ب - ولقبول الأداء شروط منها:
1 - العقل: فلا يقبل من مجنون، ولا معتوه، ولا ممن ذهب تمييزه لكبر، أو غيره.
2 - البلوغ: فلا يقبل من صغير، وقيل: يقبل من مراهق يوثق به.
3 - الإسلام: فلا يقبل من كافر، ولو تحمل وهو مسلم.
4 - العدالة: فلا يقبل من فاسق، ولو تحمل وهو عدل.
5 - السلامة من الموانع: فلا يقبل مع غلبة نعاس، أو شاغل يقلق فكره.
ج - وصيغ الأداء:
ما يؤدى بها الحديث، ولها مراتب:
الأولى: سمعت، حدثني، إذا سمع وحده من الشيخ، فإن كان معه غيره قال: سمعنا وحدثنا.
الثانية: قرأت عليه، أخبرني قراءة عليه، أخبرني، إذا قرأ على الشيخ.
الثالثة: قرئ عليه وأنا أسمع، قرأنا عليه، أخبرنا، إذا قرئ على الشيخ وهو يسمع.
الرابعة: أخبرني إجازة، حدثني إجازة، أنبأني، عن فلان؛ إذا روى عنه بالإجازة.
وهذا عند المتأخرين، أما المتقدمون فيرون أن حدثني وأخبرني وأنبأني بمعنى واحد، يؤدي بها من سمع من الشيخ.
وبقي صيغ أخرى تركناها حيث لم نتعرض لأنواع التحمل بها.
كتابة الحديث:
أ - تعريفها ب - حكمها ج - صفتها:
أ - تعريفها:
كتابة الحديث: نقله عن طريق الكتابة.
ب - حكم كتابة الحديث:
والأصل فيها الحل، لأنها وسيلة، وقد أذن النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عمرو أن يكتب ما سمعه منه، رواه أحمد بإسناد حسن[70] . فإن خيف منها محذور شرعي منعت، وعلى هذا يحمل النهي في قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه"[71]. رواه مسلم وأحمد واللفظ له.
وإذا توقف عليها حفظ السنة وإبلاغ الشريعة كانت واجبة، وعليه تحمل كتابة النبي صلّى الله عليه وسلّم بحديثه إلى الناس يدعوهم إلى الله عزّ وجل ويبلغهم شريعته، وفي "الصحيحين"[72] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب عام الفتح فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال: "اكتبوا لأبي شاه"، يعني الخطبة التي سمعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ج - صفتها:
وتجب العناية بكتابة الحديث؛ لأنها إحدى وسيلتي نقله، فوجبت العناية بها كنقله عن طريق اللفظ.
وللكتابة صفتان: واجبة ومستحسنة:
فالواجبة: أن يكتب الحديث بخط واضح بيِّن، لا يوقع في الإشكال والالتباس.
والمستحسنة: أن يراعي ما يأتي:
1 - إذا مر بذكر اسم الله كتب: تعالى، أو عزّ وجل، أو سبحانه، أو غيرها من كلمات الثناء الصريحة بدون رمز.
وإذا مر بذكر اسم الرسول صلّى الله عليه وسلّم كتب: صلّى الله عليه وسلّم، أو عليه الصلاة والسلام صريحة بدون رمز، قال العراقي في "شرح ألفيته" في المصطلح: ويكره أن يرمز للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في الخط بأن يقتصر على حرفين ونحو ذلك، وقال أيضاً: ويكره حذف واحد من الصلاة، أو التسليم، والاقتصار على أحدهما[73] . اهـ.
* وإذا مر بذكر صحابي كتب: رضي الله عنه، ولا يخص أحداً من الصحابة بثناء، أو دعاء معين يجعله شعاراً له كلما ذكره. كما يفعل الرافضة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قولهم عند ذكره: عليه السلام أو كرم الله وجهه، قال ابن كثير[74] : فإن هذا من باب التعظيم، والتكريم، فالشيخان يعني: أبا بكر وعمر وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه. اهـ.
فأما إن أضاف الصلاة إلى السلام عند ذكر علي رضي الله عنه دون غيره فهو ممنوع، لا سيما إذا اتخذه شعاراً لا يخل به، فتركه حيئنذٍ متعين، قاله ابن القيم في كتاب "جلاء الأفهام"[75] .
* وإذا مر بذكر تابعي فمن بعده ممن يستحقون الدعاء كتب: رحمه الله.
2 - أن يشير إلى نص الحديث بما يتميز به: فيجعله بين قوسين ( ) أو مربعين [ ] أو دائرتين * * أو نحو ذلك، لئلا يختلط بغيره فيشتبه.
3 - أن يراعي القواعد المتبعة في إصلاح الخطأ:
* فالساقط يلحقه في أحد الجانبين، أو فوق، أو تحت مشيراً إلى مكانه بما يعيّنه.
* والزائد يشطب عليه من أول كلمة منه إلى الأخيرة بخط واحد؛ لئلا ينطمس ما تحته فيخفى على القارئ، وإذا كان الزائد كثيراً كتب قبل أول كلمة منه (لا) وبعد آخر كلمة منه (إلى) ترفعان قليلاً عن مستوى السطر.
وإذا كانت الزيادة بتكرار كلمة شطبت الأخيرة منها، إلا أن يكون لها صلة بما بعدها فيشطب الأولى، مثل أن يكرر كلمة عبد في عبد الله، أو امرئ في امرئ مؤمن، فيشطب الأولى.
4 - أن لا يفصل بين كلمتين في سطرين إذا كان الفصل بينهما يوهم معنى فاسداً، مثل قول علي رضي الله عنه: بشر قاتل ابن صفية (يعني: الزبير بن العوام) بالنار، فلا يجعل بشر قاتل في سطر، وابن صفية في النار في سطر آخر.
5 - أن يجتنب الرمز إلا فيما كان مشهوراً بين المحدثين[76] ومنه:
* (ثنا) أو (نا) و(دثنا) يرمز بها عن حدثنا، وتُقرأ: حدثنا.
* (أنا) أو (أرنا) أو (أبنا) يرمز بها عن أخبرنا، وتقرأ: أخبرنا.
* (ق) يرمز بها عن قال، وتقرأ: قال، والأكثر حذف قال بدون رمز، لكن ينطق بها عند القراءة.
مثاله : قول البخاري: حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث، قال يزيد: حدثني مطرف بن عبد الله عن عمران، قال: قلت: يا رسول الله فيم يعمل العاملون؟ قال: "كل ميسر لما خلق له"[77] .
فقد حذفت (قال) بين الرواة، لكن ينطق بها عند القراءة فيقال في المثال: قال البخاري: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: قال يزيد: حدثني مطرف... إلخ.
* (ح) يرمز بها للتحول من إسناد إلى آخر إذا كان للحديث أكثر من إسناد، سواء كان التحول عند آخر الإسناد أو في أثنائه، وينطق بها على صورتها فيقال: حا.
مثال التحول عند آخر الإسناد:
قول البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم (ح) وحدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين"[78] .
ومثال التحول في أثنائه :
قول مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث (ح) وحدثنا محمد بن رمح: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته. فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم. والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم. والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راعٍ. وكلكم مسؤول عن رعيته"[79] .
تدوين الحديث:
لم يكن الحديث في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه الأربعة الراشدين مدوّناً كما دوِّن فيما بعد، وقد روى البيهقي في "المدخل"[80] عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً، كانوا قبلكم، كتبوا كتباً، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً.
ولما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وخاف من ضياع الحديث، كتب إلى قاضيه في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: انظر ما كان من حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا.
وكتب إلى الآفاق بذلك أيضاً ثم أمر محمد بن شهاب الزهري بتدوينها.
فكان أول من صنف في الحديث: محمد بن شهاب الزهري بأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمهما الله، وكان ذلك على رأس مئة سنة من الهجرة، ثم تتابع الناس في ذلك، وتنوعت طرقهم في تصنيف الحديث
طرق تصنيف الحديث:
طرق تصنيف الحديث على نوعين:
أ - تصنيف الأصول:
وهي التي يسند فيها الحديث من المصنف إلى غاية الإسناد وله طرق، فمنها:
1 - التصنيف على الأجزاء: بأن يجعل لكل باب من أبواب العلم جزء خاص مستقل، فيجعل لباب الصلاة جزء خاص، ولباب الزكاة جزء خاص، وهكذا. ويذكر أن هذه طريقة الزهري ومن في زمنه.
2 - التصنيف على الأبواب: بحيث يجعل في الجزء الواحد أكثر من باب، وترتب على الموضوعات؛ كترتيب أبواب الفقه، أو غيره. مثل: طريقة البخاري، ومسلم، وأصحاب "السنن".
3 - التصنيف على المسانيد: بحيث يجمع أحاديث كل صحابي على حدة، فيذكر في مسند أبي بكر جميع ما رواه عن أبي بكر، وفي مسند عمر جميع ما رواه عن عمر، وهكذا مثل طريقة الإمام أحمد في "مسنده".
ب - تصنيف الفروع:
وهي التي ينقلها مصنفوها من الأصول معزوة إلى أصلها بغير إسناد، وله طرق أيضاً فمنها:
1 - التصنيف على الأبواب مثل: "بلوغ المرام" لابن حجر العسقلاني، و"عمدة الأحكام" لعبد الغني المقدسي
2 - التصنيف مرتباً على الحروف مثل: "الجامع الصغير" للسيوطي. إلى غير ذلك من الطرق الكثيرة من النوعين حسبما يراه أهل الحديث أقرب إلى تحصيله وتحقيقه.
.