الخصخصة وتقليص دور القطاع العام
موقف الاقتصاد الإسلامي
إعداد أ.د شوقي دنيا
استاذ الإقتصاد وعميد كلية التجارة
جامعة الأزهر
مقدم
للمؤتمر العالمي الثالث للإقتصاد الإسلامي
الذي تنظمه كلية الشريعة – جامعة أم القري
مكة المكرمة مارس 2003
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
منذ أمد ليس بالقصير ظهر بوضوح تحول فكرى وعملي حيال موضوع دور الدولة والقطاع الخاص في المجال الاقتصادى.مبتعداً بسرعة عن مركز وهيمنة دور الدولة متجهاً نحو القطاع الخاص ليحل محل الدولة فيما كان لها من دور فى هذا المجال.
واحتل قمة الإهتمامات الفكرية موضوع الخصخصة وتقليص دور القطاع العام، ولم يقف الأمر عند الصعيد النظري بل تعداه وبسرعة فائقة إلى التطبيق العملى فعم العالم من أقصاه إلي ؟ أقصاه هذا التيار الجارف بغض النظر عن نوعية المذاهب ومستوي وحالة الأوضاع . لقد غطت موجة الخصخصة رقعة البلاد الرأسمالية المتقدمة والبلاد النامية والبلاد الإشتراكية.
ووراء ذلك التحول دوافع ومقاصد . يمكن إجمالها أو معظمها في النهوض بالوضع الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن الحكومات، من منطلق أن القطاع الخاص أكفأ فى أداء النشاط الاقتصادى، ومهما بدا من دوافع واعتبارات اقتصادية وراء هذا التيار الجارف فهناك عوامل مذهبية رأسمالية .ولم تسلم الدول الإسلامية من هذا التيار فأخذت بدورها تطبق منهج الخصخصة.
وإذا كانت الأنظمة الاقتصادية الوضعية وخاصة منها النظام الرأسمالى تبدى تفهماً وتوافقاً مع هذا التيار فإن النظام الاقتصادى الإسلامي بحكم ماله من خصائص ومقومات قد يكون له موقف آخر وهذه الورقة تستعرض البعد الوضعى نظرياً وعملياً لهذا التيار ثم تتناول بالبحث والدراسة موقف الاقتصاد الإسلامي منها من خلال ما يحمله للدولة من مهام ومسؤليات ومايقوم عليه من تنظيم معين للملكية ولاستغلالها ولسلطة الدولة حيالها. من خلال استعراض هذه المسائل يتبين أن الاقتصاد الإسلامي لايرفض من حيث المبدأ وبشكل مطلق عملية الخصخصة، لكنه يقبل منها أموراً ويرفض أخرى، وقد صادق الفكر الإقتصادى المعاصر الرشيد على مبدأ عدم الإستغراق في الخصخصة ومن ثم تهميش دور الدولة وإنما الأمر المهم هو إعادة توزيع للأدوار بحيث يقوم كل من الدولة والقطاع الخاص بدوره الحقيقى في المجال الاقتصادى الذى لايستغنى صلاحه عنهما.وهذا ما سبق أن نادى به الاقتصاد الإسلامي.
هذه الورقة تتناول موضوع الخصخصة، وتقليص دور القطاع الخاص، وموقف الاقتصاد الإسلامي منها.ومن الواضح أن بحثاً في هذا الموضوع يتطلب التعرض الاجمالي له في الفكر الاقتصادى الوضعي، والتطبيق المعاصر .ويلي ذلك محاولة التعرف علي موقف الاقتصاد الإٌسلامى من هذا الموضوع. وقد رأينا أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال معرفة موقف الاقتصاد الإسلامي من عدة قضايا هي :
وظائف الدولة – نظام الملكية – نظام استغلال الممتلكات العامة - حدود تصرف الدولة في الممتلكات العامة – رؤية إسلامية فيما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية .
وفي ضوء هذا الإطار العام ينقسم البحث إلى الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1. المصطلح والمفهوم.
2. نبذة تاريخية.
3. الدوافع والأهداف.
4. الأساليب.
5. دروس مستفادة.
الفرع الثاني : الاقتصاد الإسلامي والخصخصة.
1. وظائف الدولة.
2. نظام الملكية.
3. نظام استغلال الممتلكات العامة.
4. ترشيد إسلامي لما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية.
خاتمة.
حواشى.
مراجع.
الفرع الأول
الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1- المصطلح والمفهوم :
منذ عدة سنوات وحتي الآن شاعت لفظة انجليزية هي “Privatization “ فى الأدبيات السياسية والاقتصادية وأصبحت مصطلحاً علي نهج معين في المجال الاقتصادى بخاصة والمجال الإحتماعى والسياسى بعامة.
وقد ترجم هذا اللفظ إلى اللغة العربية بألفاظ متعددة متفاوته الحظ فى الاستخدام والشيوع، أكثرها شيوعاً لفظ الخصخصة، وهناك ألفاظ أخري منها التخصيص والتخصيصية والخوصصة والخاصخصة ..الخ.ومن المفارقات في هذا الشأن أن اللفظ الشائع عربياً، وهو الخصخصة لانصيب له من الصحة اللغوية، فما وجدنا – فيما اطلعنا عليه – من معاجم وقواميس لهذا اللفظ ولا لفعله " خصخص " أثراً فى تلك المصادر . وعلي عكس ذلك وجدنا للفظ خصص وتخصيص وتخصيصية وجوداً عربياً واضحاً . وبالتالي فهو الأولي بالإستخدام والتداول في المحافل العلمية . وحبذا _ فى ضوء ذلك _ استبدال مصطلح التخصيصية بالخصخصة، مع الوعي بإمكانية الإبقاء علي هذا المصطلح في الإستخدام " الخصخصة " من باب أنه خطأ شائع لكنه معمول به ومتعارف عليه. والأمر في الأول والأخير أمر مصطلح إقتصادي، ولا مشاحة في الإصطلاح, طالما كان المعنى المقصود واضحاً في أفئدة السامعين له والمتعاملين معه .
ولهذا المصطلح العديد من المفاهيم، يرجع تعددها وتنوعها إلى ما لهذا الموضوع لدي المهتمين من رؤيتين، رؤية موسعة ورؤية مضيقة. ومعني ذلك أن هناك زاويتين ؛ زاوية منفرجة وزاوية حادة " بالتعبير الهندسى " . فهناك من ينظر فيه ويتعامل معه علي انه نهج اقتصادي كامل وشامل يحيل النظام الاقتصادي القائم من تصنيف لتصنيف آخر . وهناك من ينظر فيه علي أنه نهج اقتصادي جزئى يتعلق بتعديل وتغير بعض جزيئات الهيكل الاقتصادي القائم والنظام الاقتصادي المهيمن دون أن يترتب عليه أو ينجم عنه تغير للهيكل وللنظام ككل.(1)
فى الإطار الواسع تطالعنا المفاهيم التالية " الخصخصة هى مجموعة السياسات والإجراءات المتكاملة التى تستهدف الاعتماد الأكبر علي نظام السوق وآلياته فى تحقيق التنمية والعدالة".(2) ومعني هذا التعريف أننا بإزاء الخصخصة أمام إعادة نظر شاملة للاقتصاد القومي وأدواته ومؤسساته، وخاصة فيما يتعلق بدور كل من الدولة والسوق في تسيير شؤنه.
وهى"جزء من عملية الإصلاحات الهيكلية للقطاع العام في البنيان الاقتصادي، تستهدف رفع معدل النمو الاقتصادى، من خلال تحسين وكفاءة المؤسسات والأداء السياسى".(3) وفي الإطار الضيق نجد هذه المفاهيم " هى تحويل بعض المشروعات العامة الى مشروعات خاصة من ةحيث الملكية أو من حيث الإدارة " وهى إدارة المنشأة على أساس تجاري من خلال نقل ملكيتها كلها أو بعضها للقطاع الخاص، أو تأجير خدمات محترفة تضطلح بمهمة تسير المنشأة على هذا الطريق ".(4)
ومن الناحية الواقعية نجد المفهومين يسيران سويأً، فتجري عملية تحويل بعض المشروعات العامة ألى مشروعات خاصة فى ركاب عملية واسعة تستهدف تغير المسار الكلي للاقتصاد وتعديل النظام الحاكم له. ولم نجد – فيما أطلعنا عليه من تجارب- من يقف عند حد تحويل بعض المشروعات العامة إلى مشروعات خاصة، ودونما تغيير جوهري هيكلي في بنيان الاقتصاد ونظامه.
وهكذا نجد النظرات متفاوته ضيقاً واتساعاً. والوعي بهذا التمييز مهم في التعرف الدقيق على جوانب الموضوع، وبخاصة ما يتعلق بتقويمه على الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد الشرعي. إذن نحن أمام ظاهرة محلية وعالمية تقوم على تحويل للمشروعات العامة أو بعضها إلى مشروعات خاصة، ملكية أو إدارة. وتقوم كذلك على اعادة رسم الخريطة الاقتصادية بحيث يكون الفاعل الرئيسي فيها هو نظام السوق بدلاً من الدولة ونظام التخطيط.
2- التخصيصية – نبذة تاريخية:
ما إن بدأ القرن العشرون في البزوغ إلا وجدت عوامل متنوعة عملت على إيجاد دور بارز ومؤثر للدولة في المجال الاقتصادي، ويوماً بعد يوم قويت هذه العوامل ونمت، ومن ثم تضخم الدور الاقتصادي للدولة؛ ولم يقف الحال في هذا الأمر عند حد الدول الاشتراكية بل تجاوزه إلى الدول النامية، حيث أخذت فيها الحكومات زمام قيادة الاقتصاد لتحقيق التنمية الاقتصادية، باعتقاد أن هذا العمل الشاق والمجهود الضخم لا ينهض به إلا الدولة بكل مالها من صلاحيات وما تمتلكه من سلطات ومؤسسات. كما تجاوزه إلى الدول الرأسمالية المتقدمة، حيث أخذت الحكومات على عاتقها عبء القيام باصلاح ما أفرزه نظام السوق من مثالب اجتماعية واقتصادية، تتعلق بالاستقرار الاقتصادي، وبالتوازن الاجتماعي، وبالكفاءة الاقتصادية.
وما إن دخلنا في منتصف القرن العشرين وسرنا فيه حتى بدت عوامل التحول من هذا النهج إلى نهج مغاير، رويداً رويداً. من جراء ظهور متغيرات ومستجدات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وأخذ القطاع الخاص يحتل مكانه شيئاً فشيئاً إلى أن دخلنا في الربع الأخير من هذا القرن، حيث كان التحول قد وصل إلى ذورته، فأخذ الفكر وفي ركابه التطبيق ينادي بسيادة وسيطرة وهيمنة القطاع الخاص، وانحسار دور القطاع العام، وكف الدولة يدها عن الكثير مما كانت في الماضي تبسطها عليه. وبدت العملية كما لو كانت مقابلة بين دورين أو بين فاعلين، إذا قوى أحدهما ضعف الآخر. والمسألة سجال بين القطاع العام والقطاع الخاص، وقد آن الأوان أن ينزل القطاع العام من على عرش الهيمنة والقيادة ويسلمه للقطاع الخاص.
وسيطر على الفكر والتطبيق مصطلح الخصخصة، كما سيطر من قبل مصطلح التأميم، وساد جهاز السوق كما ساد من قبل جهاز التخطيط، والأيام دول حتى بين الأنظمة والمصطلحــات.(5)
ومن الطبيعي أن يكون وراء هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى العديد من العوامل والاعتبارات والملابسات. فمنذ حوالي عقدين تعرض الاقتصاد العالمي في عديد من الدول لبعض الاختلالات الكبيرة الداخلية والخارجية، فهناك عجز متزايد في الموازنات العامة وعجز متزايد في موازين المدفوعات، وارتفاع في معدلات البطالة ومعدلات التضخم، وتزايد كبير في حجم الديون المحلية والأجنبية.(6) وعلى ساحة الدول الرأسمالية المتقدمة تولدت رغبة قوية لدى بعض حكامها في توسيع قاعدة الملكية، وكذلك في رفع الكفاءة الاقتصادية ومن ثم رفع مستوى المعيشة وتعزيز القدرات التنافسية، في سوق يسير بسرعة نحو العالمية. وتحقيق ذلك إنما يكون من خلال تقليل النفقات والتكاليف، والمزيد من التجديد والتحديث في المعدات والأدوات ونظم الإدارة.(7)
وقد كانت هذه الدول الرأسمالية سباقة في تبني هذا التوجه الذي مثلت فيه الخصخصة محوراً رئيساً، وعلى رأس هذه الدول انجلترا، ففي عام 1977 عرضت شركة البترول البريطانية للبيع ثم شركة الطيران ثم شركات المياه والكهرباء وغيرها.( وتبع انجلترا في ذلك العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حتى لقد أصبح بمثاية موجة غطت مختلف بلدان العالم. وقد قام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتحفيز الدول وترغيبها في سلوك هذا المسلك، وطبقاً لتقارير البنك الدولي فقد تم خلال الثمانينات من القرن العشرين خصخصة ما يزيد على 6800 مشروع عام، وخلال التسعينات تم خصخصة ما تزيد قيمته على 19 مليار دولار أمريكي من المشروعات في ربوع البلاد النامية وحدها.(9)
3- الدوافع والأهداف(10)
دفعت إلى هذا التوجه الكاسح نحو التخصيصية عوامل متعددة يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
1- رفع الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد القومي. فقد تبين أن قدرات وإمكانات القطاع العام متواضعة على المستوى الإداري وعلى المستوى الفني، ومن ثم فهو عاجز عن تقديم السلعة أو الخدمة ذات النوعية العالية، يضاف إلى ذلك ما يتحمله هذا القطاع من خسائر متزايدة ناجمة عن ارتفاع التكاليف وتدني الإيرادات. وبالتالي فقد بات عبئاً على الموازنات العامة للدول بدلاً من أن يكون مصدراً من مصادر إيراداتها. وليس بخاف على أحد ما أصبح يسببه القطاع من مشكلات مالية للدول ومن اختلالات متضخمة في موازناتها. إضافة إلى ما يمارسه من هدر للكثير من الموارد والطاقات، إن الخصخصة تقلل من النفقات العامة وتزيد من الإيرادات العامة.
2- واجهت الدول على إختلافها مشكلات حادة للبطالة، وبعد أن كان القطاع العام ملاذاً فسيحاً لتشغيل المزيد من أفراد القوة العاملة أصبح عاجزاً عن القيام بذلك، بل أصبح مأوى للبطالة المقنعة التي لا تقل وطأتها الاقتصادية عن البطالة السافرة. ومن المعتقد أن الخصخصة سوف تسهم، من جهات متعددة في مواجهة هذه المشكلة. بيد أن الواقع لا يقدم تأييداً لهذا الاعتقاد، بل قد يشير ويفيد عكسه.
3- توفير نوعية عالية من السلع والخدمات من قبل القطاع الخاص تستطيع التنافس مع المنتجات الأجنبية، وبالتالي تحسين وضعية موازين المدفوعات.
4- تسهم الخصخصة في توسيع قاعدة الملكية، كما أنها تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتغري بالعودة رؤوس الأموال الوطنية.
5- إعادة تحديد دور الدولة بما يؤهلها للقيام بوظيفتها الكبرى المتمثلة في التحكم والانضباط والإشراف والرقابة بعد أن شغلت عن هذه الوظيفة الأولى بممارسة النشاط الاقتصادي. الذي لا يتواءم وطبيعتها. فالدولة خلفت للسلطة والحكم والقيادة ولم تخلق لتمارس الأنشطة الاقتصادية مع الممارسين لها من الأفراد. وإلا خلت الساحة من الحكم.
6- تفعيل المدخرات المحلية ودعم الوعي الأدخاري لدى الأفراد من خلال فتح الباب أمامهم لامتلاك حصص أو أسهم في هذه المشروعات.
7- وهناك دافع قد لا يقل أهمية عن الدوافع الأخرى وهو الدافع الأيديولوجي، فهناك رغبة عارمة لدى دول النظام الرأسمالي بتعميم كل مبادئه وتنظيماته على كل دول العالم ، سواء كان ذلك في صالح هذه الدول أو في غير صالحها.
ولهذا الدافع رصيد كبير من الصحة والمصداقية، وغير خاف ما هنالك من صلة وارتباط بن الخصخصة والعولمة، وبخاصة الشركات العالمية، فهناك تحريض قوي مباشر وغير مباشر وأحياناً يصل إلى درجة الحمل والضغط على قيام الدول النامية بالمزيد من الخصخصة، لأن ذلك يتيح الاستحواز على العديد من الشركات والمؤسسات الوطنية أو المشاركة فيها غير عابئة بما يكون لذلك من أثر على الاقتصاد القومي.
وتجد الإشارة إلى أن تحقق هذه الأهداف متوقف على العديد من العوامل المنوطة بالدولة من جهة وبالقطاع الخاص من جهة أخرى.
4- الأساليب والصور(11)
لخصخصة المشروعات العامة العديد من الصور والأساليب. وبوجه عام يوجد شكلان أو أسلوبان للخصخصة: خصخصة الملكية و خصخصة الإدارة.
1- خصخصة الملكية : ومؤداها تحويل ملكية المشروع كلياً أو جزئياً إلى ملكية خاصة ويمكن أن يتم ذلك من خلال البورصة أو المزايدة أو إلى العاملين فيه، كما يمكن أن يتم من خلال بيع المشروع أو جزء منه كأصول. وبالطبع فإن بعض هذه الصور لا تصلح لخصخصة ملكية كل المشروعات، وإنما قد يصلح هذا الأسلوب لمشروع ولا يصلح لمشروع آخر. واختيار الأسلوب المناسب ويقلل من التحديات الكبيرة أمام نجاح الخصخصة.
2- خصخصة الإدارة : ومؤداها عدم طروء أي تغيير في نمط ملكية المشروع، فيظل المشروع مملوكاً ملكية عامة لكن الذي يحدث تغيير أسلوب ونمط إدارته. وهناك صور عديدة لخصخصة الإدارة. منها عقود الإدارة، وبمقتضاها تحتفظ الدولة بالملكية وتوكل إدارة المشروع إلى القطاع الخاص على أن توفر له كل الأموال اللازمة. وذلك نظير عائد محدد. وأكثر ما يكون ذلك في المشروعات الخدمية. ومنها عقود التأجير. حيث تبقى ملكية المشروع للدولة ويؤجر للقطاع الخاص، والفرق بين هذه الصورة وسابقتها أنه في حال التأجير يدفع المستأجر الإيجار. بغض النظر عن نتيجة المشروع. ويستخدم ذلك بكثرة في المشروعات ذات الطبيعة الخاصة ومنها عقود الإنشاء والتشغيل والتحويل والمعروفة باسم (Bot). ويعد هذا الأسلوب أو هذه الصورة من أكثر الصور شيوعاً في عمليات الخصخصة، لما يتميز به من البساطة وجذب الاستثمارات الخارجية. وكثيراً ما يستخدم في مشروعات البنية الأساسية مثل شبكات الطرق ومحطات الكهرباء والمياه والمطارات والموانى.....إلخ، ومؤدى هذه الصورة قيام المستثمر ببناء المشروع وتشغيله لمدة محددة يعود بعدها إلى الحكومة. وبرغم ما لهذا الأسلوب من ميزات فإن له الكثير من المثالب التي يمكن التقليل منها إذا ما كانت هناك حكومة قوية رشيدة. وكانت بنود الإتفاق واضحة محددة، مراعية ما يحقق أكبر قدر ممكن من المصلحة العامة.
ومنها عقود الامتياز. حيث تمنح الحكومة إحدى الجهات امتيازاً خاصاً لإنتاج أو توريد جزء من خدمة معينة. وبرغم قدم هذا الأسلوب فإن استخدامه الآن في البلاد النامية محدود لحساسيته الزائدة تجاه المخاطر الاقتصادية والسياسية.
5- دروس مستفادة: (12)
بالنظر في التجارب والبرامج التي طبقتها الدول المختلفة لإنجاز عملية الخصخصة نجد أن نتائج عملية الخصخصة تفاوتت بشكل كبير إيجاباً وسلباً من دولة لأخرى. وبوجه عام نجد أن الخصخصة قد حققت نتائج إيجابية في الدول المتقدمة بيد، أن نتائجها في الدول النامية كانت في جملتها مخيبة للأمال، حيث لم تحقق الكثير من أهدافها، بل إنها في حالات كثيرة جاءت بنقيض مقصودها، وذلك على صعيد الكفاءة والعدالة والعمالة وعلاج الاختلالات في الموازنات العامة وموازين المدفوعات. ففي الكثير من البرامج زاد حجم البطالة ولم ينكمش، وارتفعت الأسعار، ولم تتحسن بشكل ملحوظ موازنات الدول وموازين مدفوعاتها. بل وبددت أصول المجتمع الإنتاجية الثابتة من خلال عدم الرشد في استخدام حصيلة بيعها، كما أن التقويم شابه في حالات عديدة الفساد، وأسهمت في توسيع نطاق الاحتكار. وتملك الأجانب كثيراً من الأصول الإنتاجية المهمة.
والتساؤل المثار هو: لم كان هذا الحصاد المر؟ والجواب عن ذلك أن الخصخصة ليست مسألة نظرية فكرية يتقرر من خلال الورق صلاحها من عدمه، وإنما هي مسألة عملية ونهج تطبيقي، ومن ثم فهي في حاجة ماسة إلى توافر العديد من المقومات حتى تحقق مقصودها، ومن ذلك:
1- توفير البيئة الملائمة من النواحي التشريعية والقانونية
2- توفير القناعة لدى العاملين في المشروع حتى لا يعرقلوا سير العملية
3- وجود جهاز قومى أمين وكفء يتولى القيام بعملية الخصخصة.
4- وجود توافق قومي صريح حول كل خطوات عملية الخصخصة وحتى التصرف في حصيلتها.
وبعبارة جامعة توفير قاعدة المشروعية لهذه العملية.(13) حتى تحقق أقصى قدر ممكن من المصلحة العامة، تلك التي ترتكز على ركيزتى الكفاءة والعدالة معاً. ومما يؤسف له أن العديد من برامج الخصخصة في الدول المختلفة وخاصة الدول النامية قد أخفق في توفير معظم هذه المتطلبات
.موقف الاقتصاد الإسلامي
إعداد أ.د شوقي دنيا
استاذ الإقتصاد وعميد كلية التجارة
جامعة الأزهر
مقدم
للمؤتمر العالمي الثالث للإقتصاد الإسلامي
الذي تنظمه كلية الشريعة – جامعة أم القري
مكة المكرمة مارس 2003
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
منذ أمد ليس بالقصير ظهر بوضوح تحول فكرى وعملي حيال موضوع دور الدولة والقطاع الخاص في المجال الاقتصادى.مبتعداً بسرعة عن مركز وهيمنة دور الدولة متجهاً نحو القطاع الخاص ليحل محل الدولة فيما كان لها من دور فى هذا المجال.
واحتل قمة الإهتمامات الفكرية موضوع الخصخصة وتقليص دور القطاع العام، ولم يقف الأمر عند الصعيد النظري بل تعداه وبسرعة فائقة إلى التطبيق العملى فعم العالم من أقصاه إلي ؟ أقصاه هذا التيار الجارف بغض النظر عن نوعية المذاهب ومستوي وحالة الأوضاع . لقد غطت موجة الخصخصة رقعة البلاد الرأسمالية المتقدمة والبلاد النامية والبلاد الإشتراكية.
ووراء ذلك التحول دوافع ومقاصد . يمكن إجمالها أو معظمها في النهوض بالوضع الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن الحكومات، من منطلق أن القطاع الخاص أكفأ فى أداء النشاط الاقتصادى، ومهما بدا من دوافع واعتبارات اقتصادية وراء هذا التيار الجارف فهناك عوامل مذهبية رأسمالية .ولم تسلم الدول الإسلامية من هذا التيار فأخذت بدورها تطبق منهج الخصخصة.
وإذا كانت الأنظمة الاقتصادية الوضعية وخاصة منها النظام الرأسمالى تبدى تفهماً وتوافقاً مع هذا التيار فإن النظام الاقتصادى الإسلامي بحكم ماله من خصائص ومقومات قد يكون له موقف آخر وهذه الورقة تستعرض البعد الوضعى نظرياً وعملياً لهذا التيار ثم تتناول بالبحث والدراسة موقف الاقتصاد الإسلامي منها من خلال ما يحمله للدولة من مهام ومسؤليات ومايقوم عليه من تنظيم معين للملكية ولاستغلالها ولسلطة الدولة حيالها. من خلال استعراض هذه المسائل يتبين أن الاقتصاد الإسلامي لايرفض من حيث المبدأ وبشكل مطلق عملية الخصخصة، لكنه يقبل منها أموراً ويرفض أخرى، وقد صادق الفكر الإقتصادى المعاصر الرشيد على مبدأ عدم الإستغراق في الخصخصة ومن ثم تهميش دور الدولة وإنما الأمر المهم هو إعادة توزيع للأدوار بحيث يقوم كل من الدولة والقطاع الخاص بدوره الحقيقى في المجال الاقتصادى الذى لايستغنى صلاحه عنهما.وهذا ما سبق أن نادى به الاقتصاد الإسلامي.
هذه الورقة تتناول موضوع الخصخصة، وتقليص دور القطاع الخاص، وموقف الاقتصاد الإسلامي منها.ومن الواضح أن بحثاً في هذا الموضوع يتطلب التعرض الاجمالي له في الفكر الاقتصادى الوضعي، والتطبيق المعاصر .ويلي ذلك محاولة التعرف علي موقف الاقتصاد الإٌسلامى من هذا الموضوع. وقد رأينا أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال معرفة موقف الاقتصاد الإسلامي من عدة قضايا هي :
وظائف الدولة – نظام الملكية – نظام استغلال الممتلكات العامة - حدود تصرف الدولة في الممتلكات العامة – رؤية إسلامية فيما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية .
وفي ضوء هذا الإطار العام ينقسم البحث إلى الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1. المصطلح والمفهوم.
2. نبذة تاريخية.
3. الدوافع والأهداف.
4. الأساليب.
5. دروس مستفادة.
الفرع الثاني : الاقتصاد الإسلامي والخصخصة.
1. وظائف الدولة.
2. نظام الملكية.
3. نظام استغلال الممتلكات العامة.
4. ترشيد إسلامي لما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية.
خاتمة.
حواشى.
مراجع.
الفرع الأول
الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1- المصطلح والمفهوم :
منذ عدة سنوات وحتي الآن شاعت لفظة انجليزية هي “Privatization “ فى الأدبيات السياسية والاقتصادية وأصبحت مصطلحاً علي نهج معين في المجال الاقتصادى بخاصة والمجال الإحتماعى والسياسى بعامة.
وقد ترجم هذا اللفظ إلى اللغة العربية بألفاظ متعددة متفاوته الحظ فى الاستخدام والشيوع، أكثرها شيوعاً لفظ الخصخصة، وهناك ألفاظ أخري منها التخصيص والتخصيصية والخوصصة والخاصخصة ..الخ.ومن المفارقات في هذا الشأن أن اللفظ الشائع عربياً، وهو الخصخصة لانصيب له من الصحة اللغوية، فما وجدنا – فيما اطلعنا عليه – من معاجم وقواميس لهذا اللفظ ولا لفعله " خصخص " أثراً فى تلك المصادر . وعلي عكس ذلك وجدنا للفظ خصص وتخصيص وتخصيصية وجوداً عربياً واضحاً . وبالتالي فهو الأولي بالإستخدام والتداول في المحافل العلمية . وحبذا _ فى ضوء ذلك _ استبدال مصطلح التخصيصية بالخصخصة، مع الوعي بإمكانية الإبقاء علي هذا المصطلح في الإستخدام " الخصخصة " من باب أنه خطأ شائع لكنه معمول به ومتعارف عليه. والأمر في الأول والأخير أمر مصطلح إقتصادي، ولا مشاحة في الإصطلاح, طالما كان المعنى المقصود واضحاً في أفئدة السامعين له والمتعاملين معه .
ولهذا المصطلح العديد من المفاهيم، يرجع تعددها وتنوعها إلى ما لهذا الموضوع لدي المهتمين من رؤيتين، رؤية موسعة ورؤية مضيقة. ومعني ذلك أن هناك زاويتين ؛ زاوية منفرجة وزاوية حادة " بالتعبير الهندسى " . فهناك من ينظر فيه ويتعامل معه علي انه نهج اقتصادي كامل وشامل يحيل النظام الاقتصادي القائم من تصنيف لتصنيف آخر . وهناك من ينظر فيه علي أنه نهج اقتصادي جزئى يتعلق بتعديل وتغير بعض جزيئات الهيكل الاقتصادي القائم والنظام الاقتصادي المهيمن دون أن يترتب عليه أو ينجم عنه تغير للهيكل وللنظام ككل.(1)
فى الإطار الواسع تطالعنا المفاهيم التالية " الخصخصة هى مجموعة السياسات والإجراءات المتكاملة التى تستهدف الاعتماد الأكبر علي نظام السوق وآلياته فى تحقيق التنمية والعدالة".(2) ومعني هذا التعريف أننا بإزاء الخصخصة أمام إعادة نظر شاملة للاقتصاد القومي وأدواته ومؤسساته، وخاصة فيما يتعلق بدور كل من الدولة والسوق في تسيير شؤنه.
وهى"جزء من عملية الإصلاحات الهيكلية للقطاع العام في البنيان الاقتصادي، تستهدف رفع معدل النمو الاقتصادى، من خلال تحسين وكفاءة المؤسسات والأداء السياسى".(3) وفي الإطار الضيق نجد هذه المفاهيم " هى تحويل بعض المشروعات العامة الى مشروعات خاصة من ةحيث الملكية أو من حيث الإدارة " وهى إدارة المنشأة على أساس تجاري من خلال نقل ملكيتها كلها أو بعضها للقطاع الخاص، أو تأجير خدمات محترفة تضطلح بمهمة تسير المنشأة على هذا الطريق ".(4)
ومن الناحية الواقعية نجد المفهومين يسيران سويأً، فتجري عملية تحويل بعض المشروعات العامة ألى مشروعات خاصة فى ركاب عملية واسعة تستهدف تغير المسار الكلي للاقتصاد وتعديل النظام الحاكم له. ولم نجد – فيما أطلعنا عليه من تجارب- من يقف عند حد تحويل بعض المشروعات العامة إلى مشروعات خاصة، ودونما تغيير جوهري هيكلي في بنيان الاقتصاد ونظامه.
وهكذا نجد النظرات متفاوته ضيقاً واتساعاً. والوعي بهذا التمييز مهم في التعرف الدقيق على جوانب الموضوع، وبخاصة ما يتعلق بتقويمه على الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد الشرعي. إذن نحن أمام ظاهرة محلية وعالمية تقوم على تحويل للمشروعات العامة أو بعضها إلى مشروعات خاصة، ملكية أو إدارة. وتقوم كذلك على اعادة رسم الخريطة الاقتصادية بحيث يكون الفاعل الرئيسي فيها هو نظام السوق بدلاً من الدولة ونظام التخطيط.
2- التخصيصية – نبذة تاريخية:
ما إن بدأ القرن العشرون في البزوغ إلا وجدت عوامل متنوعة عملت على إيجاد دور بارز ومؤثر للدولة في المجال الاقتصادي، ويوماً بعد يوم قويت هذه العوامل ونمت، ومن ثم تضخم الدور الاقتصادي للدولة؛ ولم يقف الحال في هذا الأمر عند حد الدول الاشتراكية بل تجاوزه إلى الدول النامية، حيث أخذت فيها الحكومات زمام قيادة الاقتصاد لتحقيق التنمية الاقتصادية، باعتقاد أن هذا العمل الشاق والمجهود الضخم لا ينهض به إلا الدولة بكل مالها من صلاحيات وما تمتلكه من سلطات ومؤسسات. كما تجاوزه إلى الدول الرأسمالية المتقدمة، حيث أخذت الحكومات على عاتقها عبء القيام باصلاح ما أفرزه نظام السوق من مثالب اجتماعية واقتصادية، تتعلق بالاستقرار الاقتصادي، وبالتوازن الاجتماعي، وبالكفاءة الاقتصادية.
وما إن دخلنا في منتصف القرن العشرين وسرنا فيه حتى بدت عوامل التحول من هذا النهج إلى نهج مغاير، رويداً رويداً. من جراء ظهور متغيرات ومستجدات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وأخذ القطاع الخاص يحتل مكانه شيئاً فشيئاً إلى أن دخلنا في الربع الأخير من هذا القرن، حيث كان التحول قد وصل إلى ذورته، فأخذ الفكر وفي ركابه التطبيق ينادي بسيادة وسيطرة وهيمنة القطاع الخاص، وانحسار دور القطاع العام، وكف الدولة يدها عن الكثير مما كانت في الماضي تبسطها عليه. وبدت العملية كما لو كانت مقابلة بين دورين أو بين فاعلين، إذا قوى أحدهما ضعف الآخر. والمسألة سجال بين القطاع العام والقطاع الخاص، وقد آن الأوان أن ينزل القطاع العام من على عرش الهيمنة والقيادة ويسلمه للقطاع الخاص.
وسيطر على الفكر والتطبيق مصطلح الخصخصة، كما سيطر من قبل مصطلح التأميم، وساد جهاز السوق كما ساد من قبل جهاز التخطيط، والأيام دول حتى بين الأنظمة والمصطلحــات.(5)
ومن الطبيعي أن يكون وراء هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى العديد من العوامل والاعتبارات والملابسات. فمنذ حوالي عقدين تعرض الاقتصاد العالمي في عديد من الدول لبعض الاختلالات الكبيرة الداخلية والخارجية، فهناك عجز متزايد في الموازنات العامة وعجز متزايد في موازين المدفوعات، وارتفاع في معدلات البطالة ومعدلات التضخم، وتزايد كبير في حجم الديون المحلية والأجنبية.(6) وعلى ساحة الدول الرأسمالية المتقدمة تولدت رغبة قوية لدى بعض حكامها في توسيع قاعدة الملكية، وكذلك في رفع الكفاءة الاقتصادية ومن ثم رفع مستوى المعيشة وتعزيز القدرات التنافسية، في سوق يسير بسرعة نحو العالمية. وتحقيق ذلك إنما يكون من خلال تقليل النفقات والتكاليف، والمزيد من التجديد والتحديث في المعدات والأدوات ونظم الإدارة.(7)
وقد كانت هذه الدول الرأسمالية سباقة في تبني هذا التوجه الذي مثلت فيه الخصخصة محوراً رئيساً، وعلى رأس هذه الدول انجلترا، ففي عام 1977 عرضت شركة البترول البريطانية للبيع ثم شركة الطيران ثم شركات المياه والكهرباء وغيرها.( وتبع انجلترا في ذلك العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حتى لقد أصبح بمثاية موجة غطت مختلف بلدان العالم. وقد قام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتحفيز الدول وترغيبها في سلوك هذا المسلك، وطبقاً لتقارير البنك الدولي فقد تم خلال الثمانينات من القرن العشرين خصخصة ما يزيد على 6800 مشروع عام، وخلال التسعينات تم خصخصة ما تزيد قيمته على 19 مليار دولار أمريكي من المشروعات في ربوع البلاد النامية وحدها.(9)
3- الدوافع والأهداف(10)
دفعت إلى هذا التوجه الكاسح نحو التخصيصية عوامل متعددة يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
1- رفع الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد القومي. فقد تبين أن قدرات وإمكانات القطاع العام متواضعة على المستوى الإداري وعلى المستوى الفني، ومن ثم فهو عاجز عن تقديم السلعة أو الخدمة ذات النوعية العالية، يضاف إلى ذلك ما يتحمله هذا القطاع من خسائر متزايدة ناجمة عن ارتفاع التكاليف وتدني الإيرادات. وبالتالي فقد بات عبئاً على الموازنات العامة للدول بدلاً من أن يكون مصدراً من مصادر إيراداتها. وليس بخاف على أحد ما أصبح يسببه القطاع من مشكلات مالية للدول ومن اختلالات متضخمة في موازناتها. إضافة إلى ما يمارسه من هدر للكثير من الموارد والطاقات، إن الخصخصة تقلل من النفقات العامة وتزيد من الإيرادات العامة.
2- واجهت الدول على إختلافها مشكلات حادة للبطالة، وبعد أن كان القطاع العام ملاذاً فسيحاً لتشغيل المزيد من أفراد القوة العاملة أصبح عاجزاً عن القيام بذلك، بل أصبح مأوى للبطالة المقنعة التي لا تقل وطأتها الاقتصادية عن البطالة السافرة. ومن المعتقد أن الخصخصة سوف تسهم، من جهات متعددة في مواجهة هذه المشكلة. بيد أن الواقع لا يقدم تأييداً لهذا الاعتقاد، بل قد يشير ويفيد عكسه.
3- توفير نوعية عالية من السلع والخدمات من قبل القطاع الخاص تستطيع التنافس مع المنتجات الأجنبية، وبالتالي تحسين وضعية موازين المدفوعات.
4- تسهم الخصخصة في توسيع قاعدة الملكية، كما أنها تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتغري بالعودة رؤوس الأموال الوطنية.
5- إعادة تحديد دور الدولة بما يؤهلها للقيام بوظيفتها الكبرى المتمثلة في التحكم والانضباط والإشراف والرقابة بعد أن شغلت عن هذه الوظيفة الأولى بممارسة النشاط الاقتصادي. الذي لا يتواءم وطبيعتها. فالدولة خلفت للسلطة والحكم والقيادة ولم تخلق لتمارس الأنشطة الاقتصادية مع الممارسين لها من الأفراد. وإلا خلت الساحة من الحكم.
6- تفعيل المدخرات المحلية ودعم الوعي الأدخاري لدى الأفراد من خلال فتح الباب أمامهم لامتلاك حصص أو أسهم في هذه المشروعات.
7- وهناك دافع قد لا يقل أهمية عن الدوافع الأخرى وهو الدافع الأيديولوجي، فهناك رغبة عارمة لدى دول النظام الرأسمالي بتعميم كل مبادئه وتنظيماته على كل دول العالم ، سواء كان ذلك في صالح هذه الدول أو في غير صالحها.
ولهذا الدافع رصيد كبير من الصحة والمصداقية، وغير خاف ما هنالك من صلة وارتباط بن الخصخصة والعولمة، وبخاصة الشركات العالمية، فهناك تحريض قوي مباشر وغير مباشر وأحياناً يصل إلى درجة الحمل والضغط على قيام الدول النامية بالمزيد من الخصخصة، لأن ذلك يتيح الاستحواز على العديد من الشركات والمؤسسات الوطنية أو المشاركة فيها غير عابئة بما يكون لذلك من أثر على الاقتصاد القومي.
وتجد الإشارة إلى أن تحقق هذه الأهداف متوقف على العديد من العوامل المنوطة بالدولة من جهة وبالقطاع الخاص من جهة أخرى.
4- الأساليب والصور(11)
لخصخصة المشروعات العامة العديد من الصور والأساليب. وبوجه عام يوجد شكلان أو أسلوبان للخصخصة: خصخصة الملكية و خصخصة الإدارة.
1- خصخصة الملكية : ومؤداها تحويل ملكية المشروع كلياً أو جزئياً إلى ملكية خاصة ويمكن أن يتم ذلك من خلال البورصة أو المزايدة أو إلى العاملين فيه، كما يمكن أن يتم من خلال بيع المشروع أو جزء منه كأصول. وبالطبع فإن بعض هذه الصور لا تصلح لخصخصة ملكية كل المشروعات، وإنما قد يصلح هذا الأسلوب لمشروع ولا يصلح لمشروع آخر. واختيار الأسلوب المناسب ويقلل من التحديات الكبيرة أمام نجاح الخصخصة.
2- خصخصة الإدارة : ومؤداها عدم طروء أي تغيير في نمط ملكية المشروع، فيظل المشروع مملوكاً ملكية عامة لكن الذي يحدث تغيير أسلوب ونمط إدارته. وهناك صور عديدة لخصخصة الإدارة. منها عقود الإدارة، وبمقتضاها تحتفظ الدولة بالملكية وتوكل إدارة المشروع إلى القطاع الخاص على أن توفر له كل الأموال اللازمة. وذلك نظير عائد محدد. وأكثر ما يكون ذلك في المشروعات الخدمية. ومنها عقود التأجير. حيث تبقى ملكية المشروع للدولة ويؤجر للقطاع الخاص، والفرق بين هذه الصورة وسابقتها أنه في حال التأجير يدفع المستأجر الإيجار. بغض النظر عن نتيجة المشروع. ويستخدم ذلك بكثرة في المشروعات ذات الطبيعة الخاصة ومنها عقود الإنشاء والتشغيل والتحويل والمعروفة باسم (Bot). ويعد هذا الأسلوب أو هذه الصورة من أكثر الصور شيوعاً في عمليات الخصخصة، لما يتميز به من البساطة وجذب الاستثمارات الخارجية. وكثيراً ما يستخدم في مشروعات البنية الأساسية مثل شبكات الطرق ومحطات الكهرباء والمياه والمطارات والموانى.....إلخ، ومؤدى هذه الصورة قيام المستثمر ببناء المشروع وتشغيله لمدة محددة يعود بعدها إلى الحكومة. وبرغم ما لهذا الأسلوب من ميزات فإن له الكثير من المثالب التي يمكن التقليل منها إذا ما كانت هناك حكومة قوية رشيدة. وكانت بنود الإتفاق واضحة محددة، مراعية ما يحقق أكبر قدر ممكن من المصلحة العامة.
ومنها عقود الامتياز. حيث تمنح الحكومة إحدى الجهات امتيازاً خاصاً لإنتاج أو توريد جزء من خدمة معينة. وبرغم قدم هذا الأسلوب فإن استخدامه الآن في البلاد النامية محدود لحساسيته الزائدة تجاه المخاطر الاقتصادية والسياسية.
5- دروس مستفادة: (12)
بالنظر في التجارب والبرامج التي طبقتها الدول المختلفة لإنجاز عملية الخصخصة نجد أن نتائج عملية الخصخصة تفاوتت بشكل كبير إيجاباً وسلباً من دولة لأخرى. وبوجه عام نجد أن الخصخصة قد حققت نتائج إيجابية في الدول المتقدمة بيد، أن نتائجها في الدول النامية كانت في جملتها مخيبة للأمال، حيث لم تحقق الكثير من أهدافها، بل إنها في حالات كثيرة جاءت بنقيض مقصودها، وذلك على صعيد الكفاءة والعدالة والعمالة وعلاج الاختلالات في الموازنات العامة وموازين المدفوعات. ففي الكثير من البرامج زاد حجم البطالة ولم ينكمش، وارتفعت الأسعار، ولم تتحسن بشكل ملحوظ موازنات الدول وموازين مدفوعاتها. بل وبددت أصول المجتمع الإنتاجية الثابتة من خلال عدم الرشد في استخدام حصيلة بيعها، كما أن التقويم شابه في حالات عديدة الفساد، وأسهمت في توسيع نطاق الاحتكار. وتملك الأجانب كثيراً من الأصول الإنتاجية المهمة.
والتساؤل المثار هو: لم كان هذا الحصاد المر؟ والجواب عن ذلك أن الخصخصة ليست مسألة نظرية فكرية يتقرر من خلال الورق صلاحها من عدمه، وإنما هي مسألة عملية ونهج تطبيقي، ومن ثم فهي في حاجة ماسة إلى توافر العديد من المقومات حتى تحقق مقصودها، ومن ذلك:
1- توفير البيئة الملائمة من النواحي التشريعية والقانونية
2- توفير القناعة لدى العاملين في المشروع حتى لا يعرقلوا سير العملية
3- وجود جهاز قومى أمين وكفء يتولى القيام بعملية الخصخصة.
4- وجود توافق قومي صريح حول كل خطوات عملية الخصخصة وحتى التصرف في حصيلتها.
وبعبارة جامعة توفير قاعدة المشروعية لهذه العملية.(13) حتى تحقق أقصى قدر ممكن من المصلحة العامة، تلك التي ترتكز على ركيزتى الكفاءة والعدالة معاً. ومما يؤسف له أن العديد من برامج الخصخصة في الدول المختلفة وخاصة الدول النامية قد أخفق في توفير معظم هذه المتطلبات