نحو سوق مالية إسلامية
د. كمال توفيق حطاب
أستاذ مشارك- قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية
جامعة اليرموك / إربد
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى بحث إمكانية إيجاد سوق مالية إسلامية للخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة على مستوى المجتمع الإسلامي المحلي والدولي، وللوصول إلى هذا الهدف تبدأ الدراسة بتوضيح الأدب الاقتصادي والمالي المتعلق بالموضوع، ومن ثم تعرض الدراسة آليات العمل بالخيارات والمستقبليات والعقود المؤجلة في السوق المالية في الاقتصادات المعاصرة، بغية تقييمها وتطويرها بما يتفق والشريعة الإسلامية.
وقد توصلت الدراسة إلى أنه من الممكن قيام سوق مالية إسلامية للعقود الآجلة في ظل العمل بضوابط شرعية خاصة, كما أن وجود هذه السوق, سوف يزيد في كفاءة استخدام الموارد وعدالة توزيعها.
مقدمة:
حث الإسلام على حفظ المال وتنميته واستثماره بأفضل وأكفأ الوسائل والأساليب المشروعة, ومن أجل ذلك فقد وضع العديد من الضوابط الشرعية التي تكفل حسن إدارة المال واستثماره, ومن ذلك مشروعية البيع والتجارة وحرمة الربا والاكتناز والاحتكار وكافة أشكال المقامرات والمراهنات التي تتضمن أكل أموال الناس بالباطل.
وانطلاقا مما تقدم, تعتبر السوق المالية الإسلامية فرصة هامة جداً لكل مستثمر مسلم, حيث يتمكن من تقليل خسائره ومخاطره وزيادة عائداته, وذلك من خلال تنويع محفظته المالية, واختيار الأدوات الأقوى والأكثر نجاحاً ومشروعية. كما تمثل السوق المالية الإسلامية محطة هامة لإعادة تنقية وضخ الأموال الحلال وتمويل المشروعات البناءة والناجحة مما يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال زيادة إنتاج الطيبات في المجتمع.
إن سوق المال الإسلامي بما يمكن أن تتضمنه من أدوات إسلامية متقدمة مثل عقود الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة بعد تطويرها بما ينفق والشريعة الإسلامية, سوف تسهم في تطوير نوعية العمل المصرفي الإسلامي, بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والعدالة, وبالتالي زيادة معدلات النمو والرفاهية.
وبناء على ما سبق سوف تشتمل هذه الدراسة على المباحث التالية:
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها.
المبحث الثاني: عقود الخيارات والمستقبليات في الأسواق المالية.
المبحث الثالث: عقود الخيارات من منظور إسلامي.
المبحث الرابع: العقود الآجلة والمستقبليات من منظور إسلامي.
المبحث الخامس: مقترح إنشاء سوق مالية إسلامية.
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها:
ويشتمل على المطالب التالية:
المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية.
المطلب الثاني: وظائف السوق المالية.
المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية:
يطلق مصطلح السوق المالية بمعناه الضيق على سوق أو بورصة الأوراق المالية, كما يطلق بمعناه الواسع على مجموع التدفقات المالية في المجتمع سواء كانت لآجال قصيرة أو متوسطة أو طويلة بين أفراده ومؤسساته وقطاعاته, وفي ضوء هذا المعنى الواسع فإن السوق المالية لا تنحصر في مكان محدد, وإنما في معاملات محددة, ومن هنا فإن مصطلح السوق المالية الإسلامية, يمكن أن يتضمن المعاملات المالية المنضبطة بالضوابط الشرعية . (إسماعيل حسن, 1987, 43)
ومن المعلوم أن تحقق المعنى الضيق يرتبط بتحقق المعنى الواسع, فلن توجد أسواق أوراق مالية إسلامية ما لم توجد أوراق مالية إسلامية, ولن توجد هذه الأوراق ما لم توجد مؤسسات مالية إسلامية تصدرها, وبنك مركزي إسلامي أو جهاز مركزي إسلامي يمنح ترخيصاً بإصدارها.. وهكذا يمكن القول أن السوق المالية تشتمل على البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار المالي والمؤسسات المالية وبورصات الأوراق المالية وكافة المؤسسات التي تتعامل مع التدفقات المالية, ولكي تكون السوق المالية إسلامية فينبغي أن تخضع هذه المؤسسات والبنوك للضوابط الشرعية.
وتتكون السوق المالية من عدة أسواق متداخلة مع بعضها البعض وهي:
1- سوق النقد: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان قصيرة الأجل (لا تزيد عن سنة) مثل النقود المتداولة والشيكات الكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية المقبولة الدفع.
2- سوق المال: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان متوسطة أو طويلة الأجل وتتداول فيها الأسهم والسندات, وغيرها من القروض التي تتراوح آجالها من (5-3 سنة).
3- سوق الصرف: ويتم التعامل فيها بطريقتين عاجلة وآجلة, أما سوق الصرف العاجلة فيتم التعامل فيها عن طريق التحويلات البرقية والبريدية والحوالات العاجلة إضافة إلى الشراء النقدي. بينما يتم التعامل في سوق الصرف الآجل بالحوالات الآجلة والعقود المؤجلة.
ولا توجد حدود فاصلة بين أسواق النقد وأسواق رأس المال وأسواق الصرف, ويستدل على هذه الأسواق بنوعية الأوراق والنقود المتداولة. فالاقتراض أو الإيداع لدى مصرف لمدة أشهر معدودة يعتبر تعاملاً مع سوق النقد لأنه تعامل قصير الأجل, وإذا باع المصرف أسهماً لشركة ما كان بمثابة سوق لرأس المال لأنه تعامل طويل الأجل, وإذا كانت الأسهم لشركة أجنبية في الخارج, وقام المصرف بتحويل عملات المساهمين إلى العملة الأجنبية التي تقبلها الشركة في الخارج كان بمثابة سوق الصرف. (عيسى,1984, 12-14).
المطلب الثاني: وظائف الأسواق المالية:
من خلال التعريف السابق للسوق المالية, يظهر لنا أنها تمثل البيئة أو الأوعية التي يتم من خلالها انسياب التدفقات المالية في المجتمع, فهي بمثابة الشرايين التي تغذي عروق الاقتصاد الوطني بالأموال اللازمة لاستمرارية عمله بشكل سليم, وكلما كانت هذه الشرايين واسعة سليمة, كان الاقتصاد الوطني بعيداً عن الجلطات أو الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تلحق به, وتعيقه عن التقدم, بل إن السوق المالية المنتظمة والمنضبطة تزيد من ثقة الأفراد والمؤسسات في سلامة الوضع الاقتصادي, مما يزيد من جذب المدخرات, واستقطاب الاستثمارات الأجنبية, وبالتالي زيادة معدلات الأداء والنمو الاقتصادي, بما يزيد من تقدم البلد ورفاهية مواطنيه.
وتؤدي سوق الأوراق المالية (البورصة) بشكل خاص وظائف هامة على مستوى الاقتصاد القومي والمؤسسات والأفراد, فبالنسبة للاقتصاد القومي تحقق سوق الأوراق المالية المزايا التالــــية (محيي الدين,1986, 147, قحف, 1990, 1670):
1- تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار في المشاريع المنتجة.
2- توزيع رأس المال على مختلف الأنشطة الاستثمارية.
3- تمثل سوق الأوراق المالية حلقة اتصال بين جميع الفعاليات الاقتصادية.
4- تمهد الطريق أمام السلطات النقدية للمزج بين السياستين المالية والنقدية.
5- تعمل على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
6- تعتبر مؤشراً هاماً على حقيقة الوضع الاقتصادي واتجاهات الأسعار ومعدلات الادخار والاستثمار
أما أهمية سوق الأوراق المالية بالنسبة للأفراد والمؤسسات فهي كما يأتي (محيي الدين, 1986, 150, القري, 1990, 1582)
1- تسهيل عمليات الاستثمار للآجال القصيرة.
2- تساعد على سرعة تداول الأوراق المالية ومعرفة أسعارها وتحويلها إلى نقد سائل.
3- التعرف على المراكز المالية للشركات من خلال إدراج الأوراق المالية في سوق الأوراق المالية.
إن عدد مؤسسات الأسهم المتخصصة, والمؤسسات التي تقوم تقديم أسهم رأسمالية من خلال البورصة قليل جداً في الدول الإسلامية, وتوجه كثير من المؤسسات المالية في الدول الإسلامية جزءاً كبيراً من مواردها إلى الأسواق المالية في البلدان الصناعية... ونظراً لأهمية رأس المال في المدى الطويل لتحقيق النمو الاقتصادي فإن إنشاء مؤسسات توفر أسهما – رأسمالية- يعتبر شرطاً أساسياً لنجاح التمويل الإسلامية.. إن على المؤسسات المالية الإسلامية أن تضع في اعتبارها التطورات التي حدثت في الأسواق المالية الدولية. ففي جميع أرجاء العالم يهجر آلاف المدخرين حسابات البنوك التقليدية والسندات الحكومية ذات العائد المنخفض, ونتيجة لذلك تشهد أسواق الأسهم معدلات مرتفعة من النمو.. إن التحدي الذي تمثله هذه التطورات للبنوك الإسلامية يقتضيها إعداد نفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم التي يتزايد نشاطها وينمو بسرعة (إقبال, 2001, 44- 47).
ومما يؤكد أهمية الأسواق المالية ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في الفقرتين الأولى والثالثة:
"إن الاهتمام بالأسواق المالية هو من تمام الواجب في حفظ المال وتنميته, باعتبار ما يستتبعه من التعاون لسد الحاجات العامة, وأداء ما في المال من حقوق دينية, أو دنيوية"
وفي الفقرة 3 "إن فكرة الأسواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية, ولذا يستند الالتزام بها إلى تطبيق قاعدة المصالح المرسلة" (أبو سليمان / فقه الضرورة, 155).