الدور الأمريكي في الشأن الداخلي المصري
جمال سلطان | 22-11-2010 23:46
قبل قرابة العام كنت أشارك في مؤتمر إعلامي في الكويت ، حضره نخبة واسعة من الإعلاميين والصحفيين العرب والأجانب من بلدان عديدة ، وكان من الطبيعي أن تدور حوارات جانبية بين الضيوف غالبا ما تكون أكثر أهمية وجدوى من موضوع المؤتمر ذاته ، جمعتني جلسة عشاء مع صحفي عربي "عجوز" يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاما في واحدة من أبرز المجلات الأمريكية ذات الحضور العالمي ، وجرى الحديث عن مسألة انتقال السلطة في مصر والدور الأمريكي بعد أن كثر الكلام عن هذه المسألة في الإعلام المصري الخاص والحزبي والرسمي ، وكان الضيف "العجوز" يستغرب الحديث عن تضخيم الدور الأمريكي في تفاصيل الشأن السياسي المصري ، والحديث عن استراتيجية أمريكية في مسألة التوريث أو حتى شخص الرئيس المقبل في مصر .
وكانت وجهة نظره ـ من واقع متابعته على مدار سنوات للعلاقات المصرية الأمريكية ـ أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه مصر منذ أكثر من نصف قرن لم تتغير ، وهي لا تتعلق بتفاصيل وأسماء وإنما بأطر ومقومات عامة ، وهي أن تبقى مصر في موقف وسط بين الضعف المربك للمنطقة والقوة المربكة للأمريكيين ، بمعنى أن الاستراتيجية الأمريكية معنية بأن تبقى مصر "واقفة على قدميها" دون أن تصل إلى مرحلة ضعف خطر أو سقوط لأن من شأن ذلك أن يحدث هزات في المنطقة حولها غير مأمونة العواقب ، كما يجعل البلاد مفتوحة على المجهول الذي يصعب ضبطه والتعامل معه ، وفي المقابل لا تسمح لمصر بأن تكون كيانا قويا صاحب سيادة واستقلال تام للقرار السياسي ، لأن مصر مركز الثقل الأساس في المنطقة والدولة المؤهلة أكثر من غيرها للزعامة الإقليمية ، وتحولها إلى هذه القوة من شأنه أن يحدث تداعيات في المحيط الإقليمي حولها تربك الحسابات الأمريكية وتجعل أوضاع المنطقة خارج السيطرة أيضا ، وفي إطار هذه الاستراتيجية يكون التعامل الأمريكي مع الشأن الداخلي المصري .
أيضا تقوم الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشأن المصري ـ والكلام ما زال للصحفي العربي العجوز ـ على أساس حماية المعادلات الحاكمة للعلاقة مع "إسرائيل" في حدودها الآمنة ، وأن تظل معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" خط أحمر أمام أي نظام سياسي مقبل في مصر ، وبالتالي فلن يقبل الأمريكيون بأي قوى مغامرة يمكن أن تربك هذه المعادلات أو تخرق الخط الأحمر .
وبعيدا عن تلك الرؤية فالحقيقة أن النفوذ الأمريكي في العالم كله لا تخطئه عين ، ولا تكاد توجد بلد في العالم لا يكون للدور الأمريكي تأثير فيه ، غير أن هذا التأثير يتعاظم كلما كان الوضع السياسي الداخلي للدولة أبعد عن الديمقراطية ، أو كلما كان أقل صلابة سياسيا أو اقتصاديا أو ديموغرافيا ، فيصل الحال إلى أن مستوى أن "تعين" الإدارة الأمريكية حاكما لبلد على النحو الذي حدث في أفغانستان مع "حامد كرزاي" الذي لم يجد بأسا وهو رئيس مفترض لدولة أن يتقاضى راتبا سريا في "زكائب" الدولارات الإيرانية ويعترف بذلك بدون أي خجل بعد أن كذب به من قبل ، ولا ترى الولايات المتحدة بأسا في ذلك طالما أنه يؤدي الدور المطلوب منه ، وينحسر الدور والنفوذ الأمريكي إلى أقصى حد كما هو الحال في الصين مثلا ، وما بين النموذجين هناك درجات عديدة متفاوتة في مدى النفوذ والتأثير الأمريكي على سياسات الدول بما في ذلك التأثير في اختيار قيادة الدولة ذاتها ، غير أن الملاحظ أن الجهود الأمريكية لاختراق بعض الدول الديمقراطية كانت تركز على فتح خطوط الاتصال والتأثير على قوى وأحزاب وحركات ، بينما في العالم الثالث تختصر جهودها في التركيز على "أشخاص" ، لأنه لا يوجد في الحقيقة قوى أو أحزاب أو حركات لها قدرة على إحداث طفرة التغيير أو التأثير الجدي في صناعة القيادة السياسية للدولة ، .. هذا والله أعلم .
almesryoongamal@gmail.com
جمال سلطان | 22-11-2010 23:46
قبل قرابة العام كنت أشارك في مؤتمر إعلامي في الكويت ، حضره نخبة واسعة من الإعلاميين والصحفيين العرب والأجانب من بلدان عديدة ، وكان من الطبيعي أن تدور حوارات جانبية بين الضيوف غالبا ما تكون أكثر أهمية وجدوى من موضوع المؤتمر ذاته ، جمعتني جلسة عشاء مع صحفي عربي "عجوز" يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاما في واحدة من أبرز المجلات الأمريكية ذات الحضور العالمي ، وجرى الحديث عن مسألة انتقال السلطة في مصر والدور الأمريكي بعد أن كثر الكلام عن هذه المسألة في الإعلام المصري الخاص والحزبي والرسمي ، وكان الضيف "العجوز" يستغرب الحديث عن تضخيم الدور الأمريكي في تفاصيل الشأن السياسي المصري ، والحديث عن استراتيجية أمريكية في مسألة التوريث أو حتى شخص الرئيس المقبل في مصر .
وكانت وجهة نظره ـ من واقع متابعته على مدار سنوات للعلاقات المصرية الأمريكية ـ أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه مصر منذ أكثر من نصف قرن لم تتغير ، وهي لا تتعلق بتفاصيل وأسماء وإنما بأطر ومقومات عامة ، وهي أن تبقى مصر في موقف وسط بين الضعف المربك للمنطقة والقوة المربكة للأمريكيين ، بمعنى أن الاستراتيجية الأمريكية معنية بأن تبقى مصر "واقفة على قدميها" دون أن تصل إلى مرحلة ضعف خطر أو سقوط لأن من شأن ذلك أن يحدث هزات في المنطقة حولها غير مأمونة العواقب ، كما يجعل البلاد مفتوحة على المجهول الذي يصعب ضبطه والتعامل معه ، وفي المقابل لا تسمح لمصر بأن تكون كيانا قويا صاحب سيادة واستقلال تام للقرار السياسي ، لأن مصر مركز الثقل الأساس في المنطقة والدولة المؤهلة أكثر من غيرها للزعامة الإقليمية ، وتحولها إلى هذه القوة من شأنه أن يحدث تداعيات في المحيط الإقليمي حولها تربك الحسابات الأمريكية وتجعل أوضاع المنطقة خارج السيطرة أيضا ، وفي إطار هذه الاستراتيجية يكون التعامل الأمريكي مع الشأن الداخلي المصري .
أيضا تقوم الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشأن المصري ـ والكلام ما زال للصحفي العربي العجوز ـ على أساس حماية المعادلات الحاكمة للعلاقة مع "إسرائيل" في حدودها الآمنة ، وأن تظل معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" خط أحمر أمام أي نظام سياسي مقبل في مصر ، وبالتالي فلن يقبل الأمريكيون بأي قوى مغامرة يمكن أن تربك هذه المعادلات أو تخرق الخط الأحمر .
وبعيدا عن تلك الرؤية فالحقيقة أن النفوذ الأمريكي في العالم كله لا تخطئه عين ، ولا تكاد توجد بلد في العالم لا يكون للدور الأمريكي تأثير فيه ، غير أن هذا التأثير يتعاظم كلما كان الوضع السياسي الداخلي للدولة أبعد عن الديمقراطية ، أو كلما كان أقل صلابة سياسيا أو اقتصاديا أو ديموغرافيا ، فيصل الحال إلى أن مستوى أن "تعين" الإدارة الأمريكية حاكما لبلد على النحو الذي حدث في أفغانستان مع "حامد كرزاي" الذي لم يجد بأسا وهو رئيس مفترض لدولة أن يتقاضى راتبا سريا في "زكائب" الدولارات الإيرانية ويعترف بذلك بدون أي خجل بعد أن كذب به من قبل ، ولا ترى الولايات المتحدة بأسا في ذلك طالما أنه يؤدي الدور المطلوب منه ، وينحسر الدور والنفوذ الأمريكي إلى أقصى حد كما هو الحال في الصين مثلا ، وما بين النموذجين هناك درجات عديدة متفاوتة في مدى النفوذ والتأثير الأمريكي على سياسات الدول بما في ذلك التأثير في اختيار قيادة الدولة ذاتها ، غير أن الملاحظ أن الجهود الأمريكية لاختراق بعض الدول الديمقراطية كانت تركز على فتح خطوط الاتصال والتأثير على قوى وأحزاب وحركات ، بينما في العالم الثالث تختصر جهودها في التركيز على "أشخاص" ، لأنه لا يوجد في الحقيقة قوى أو أحزاب أو حركات لها قدرة على إحداث طفرة التغيير أو التأثير الجدي في صناعة القيادة السياسية للدولة ، .. هذا والله أعلم .
almesryoongamal@gmail.com