الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ-تعريف الحديث الموضوع
الحديث الموضوع هو المكذوب المعزو إلى النبي كذباً ، ولا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه والتحذير منه ، وكذلك الحديث الضعيف لا يُعمل به في العقائد والأحكام باتفاق العلماء .أما في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب فالراجح أيضاً أنه لا يُعمل به ، وقال بعض العلماء بالعمل بالضعيف في فضائل الأعمال بشروط هي :
1- أن لا يكون شديد الضعف كحديث الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه ، وهذا الشرط متفق عليه ـ نقله العلائي في القول البديع صـ255
2- أن يندرج تحت أصلٍ معمول به .
3- أن لا يُعتقد عند العمل به ثبوته ، بل يعتقد الاحتياط .
4- أن يرويه بصيغة التمريض مثل رُويَ أو نُقل أو قيل وغيرها ، مع بيان ضعفه للناس حين التحدث به .
والصحيح ما رجحه يحيى بن معين وأبو بكر بن العربي وهو ظاهر مذهب البخاري ومسلم وكذلك ابن حزم والألباني رحمهم الله من أنه لا يُعمل بالحديث الضعيف مطلقاً ، وقد ردّ أصحاب هذا القول على القائلين بالجواز في الفضائل وأبطلوا شروطهم التي وضعوها . راجع أقوال العلماء في كتاب ( تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف ) للدكتور/ عبد العزيز بن عبد الرحمن العثيم ـ طبعة دار الهجرة بالرياض ، فإنه كتاب قيم مفيد في هذه المسألة الهامة .
والحديث الموضوع يُعرف بإقرار واضعه مثل قول ميسرة بن عبد ربه ( وضعتها أُرغب الناس فيها )
وكذلك يعرف بركاكة ألفاظه وفساد معناه أو مجازفة فاحشةٍ أو مخالفةٍ لما ثبت في الكتاب والسنة والعقل السليم ،
أو غير ذلك كما في كتب مصطلح الحديث كذلك الحديث الضعيف له أنواع وأسباب كثيرة .
ب- أسباب وضع الحديث :
1- أعداء الإسلام من الزنادقة وغيرهم الذين أرادوا أن يُفسدوا على الناس دينهم ، مثل كريم بن أبي العوجاء ، الذي قال عندما أرادوا قطع رأسه ( والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام ) قال حماد بن زيد رحمه الله ( وضعت الزنادقة على رسول الله أربعة عشر ألف حديث )
2- أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة ، وضعوا أحاديث نُصرةً لأهوائهم ومذاهبهم :قال عبد الله بن يزيد المقرئ : ان رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول (انظروا هذا الحديث عمّن تأخذونه فإنّا كنّا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً ) وقال حمّاد ين سلمة رحمه الله ( أخبرني شيخٌ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث )
وقيل لمأمون بن أحمد الهروي الحنفي (ألا ترى إلى الشافعي ومن تبع بخراسان؟ فقال : حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن معدان عن أنس مرفوعاً ( يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من ابليس ، ويكون في أمتي رجل يُقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي ) لسان الميزان (5/7) وكذلك فعل محمد بن عكاشة الكرماني الحنفي الكذاب : قال الحاكم( بلغني أنه كان ممّن يضع الحديث حُسبة فقيل له : ان قوماً يرفعون أيديهم في الركوع وعند الرفع منه؟ فقال : حدثنا المسيب بن واضح … قال رسول الله"" من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له "" وهذا مخالف للأحاديث المتواترة في سائر كتب الحديث التي تدل على أن ذلك من السنة .
3- القُصّاص يضعون الأحاديث في قصصهم قصداً للتكسب والارتزاق : هم جُهّال تشبهوا بأهل العلم واندسوا بينهم فأفسدوا كثيراً من عقول العامة . قال ابن حبان أنه دخل مسجداً فقام بعد الصلاة شاب فقال ( حدثنا أبو خليفة ، حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس ، وذكر حديثاً ، فقال ابن حبان : فلما فرغ من دعوته قلت :رأيت أبا خليفة؟ قال : لا ، قلت كيف تروي عنه ولم تره؟ فقال إن المناقشة معنا من قلة المروءة ، أنا احفظ هذا الإسناد فكلما سمعت حديثاً ضممته إلى هذا الإسناد ( ذكره أحمد شاكر في الباعث والحثيث النوع 21)
4- ومنهم بعض علماء السوء الذين تقرُّبوا إلى الملوك والخلفاء بالفتاوى الكاذبة إرضاء للأهواء الشخصية ونصر للأغراض السياسية ، كما فعل غيُّاثُ بن إبراهيم الكوفيُّ الكذاب الذي دخل على المهدي أمير المؤمنين وكان يحب الحمام ويلعب به ، فقال له : حدثنا فلانٌ عن فلان أن النبي قال : لا سَبَق إلا في نصلٍ أو خفٍ أو حافر أو جناح )فأضاف كلمة (جناح )في الحديث الصحيح للتقرب إلى الخليفة .
5ـ قوم ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتصوُّفِ لم يتحرَّجوا من وضع الأحاديث في الترغيب والترهيبِ إحتساباً للأجر عند الله ، مثل نوح الجامع الذي وضع لكلِّ سورةٍ حديثاً في فضلها .
6ـ ومن أسباب وضع الحديث: كراهية صنفٍ من الناَّس لسببٍ من الأسباب فيضع فيهم حديثاً : روى الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال : كنت عند سعد بن طريف ، فجاء ابنه من الكتاب يبكي فقال : مالك ْ ؟ قال : ضربني المعلمُ ،قال : لأخزينَّهم اليوم ، حدّثني عكرمة عن إبن عباس مرفوعاً ( معلموا صبيانكم شرارُكم، أقلُّهم رحمة لليتيم ، وأغلظُهُم على المسكين ) وآخر يكره الشرطة فوضع فيهم حديثاً : (دخلتُ الجنة فرأيتُ فيها ذئباً فقلت: أذئبٌ في الجنة ؟ فقال :إني أكلت ابن شرطي )
7- وجود مصلحة شخصية للكداب :
* أحد العميان وضع حديثا ( من قاد أعمى أربعين خطوة دخل الجنة )
* ورجل آخر وضع حديثا ( إذا غسلت المرأة ثياب زوجها كتب الله لها ألفي حسنة )
* بائع فواكه وضع حديثا ( تفكهوا قبل الطعام )
* وآخر وضع حديثا ( الباذنجان شفاء من كل داء )
* وآخر يبيع القطط فوضع حديثا ( حب الهرة من الإيمان )
* وبائع ورد وضع حديثا ( من شم الورد الأحمر ولم يصلي علي فقد جفاني ) و( من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر )
* فقير وضع حديثا (الجوع كافر، وقاتله من أهل الجنة) قال السخاوي : ( كلام يدور في الأسواق )
* وآخر وضع حديثا ( إتخذوا الديك الأبيض ، فإن دارا فيها ديك أبيض ، لايقربها شيطان ولا ساحر) ضعيف الجامع ( 91 )
* وخباز وضع حديثا ( أكرموا الخبز فإن الله أكرمه ) ضعيف الجامع ( 1125 )
ج- أمثلة على الأحاديث الموضوعة :
1- أحاديث مدح وذم العزوبة : مثل :
- حديث ( ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب ) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني رقم( 4 ) ص134
- وحديث ( شراركم عزابكم ) المرجع السابق
2- أحاديث لترويج البضاعة : منها :
- حديث : ( إن البطيخ ماؤه رحمه وحلاوته مثل حلاوة الجنة ) قال ابن الجوزي ( لا يصح من فضائل البطيخ شيء إلا أن رسول الله أكله ) ذكره في الفوائد المجموعة ( ص179)
- حديث ( عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكثر الدماغ )
- حديث ( سيد طعام أهل الجنة اللحم )
- حديث ( أكرموا البقر فإنها سيد البهائم )
- حديث ( جاء رجل فشكا قلة الولد فأمره أن يأكل البيض والبصل )
- حديث ( عليكم بالعسل فوالذي نفسي بيده ما من بيت فيه عسل إلا وتستغفر ملائكة البيت له )
- حديث ( صلاةٌ في العمامة ، عشرة آلاف حسنة )
- حديث ( صلاةٌ بخاتم تعدل سبعين بغير خاتم )
وجميع الأحاديث السابقة في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة الشوكاني
3- أحاديث في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم : منها :
- حديث ( هبط جبريل عليّ فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلبٍ أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ، أما الصلب فعبد الله وأما البطن فآمنة وأما الحجر فعبد المطلب ) الفوائد المجموعة ( ص 341 )
- حديث ( ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله تعالى ) المصدر السابق ( ص 341 )
- حديث ( لولاك لما خلقت الأفلاك ) المصدر السابق ( ص 346)
4- أحاديث في الشهور والأيام : منها:
- شهر رجب : صيام أيامه وقيام لياليه وإخراج الزكاة فيه والاعتمار فيه ، مثل حديث ( من صام ثلاثة أيام من رجب كتب له صيام شهر ) الفوائد المجموعة ( ص 1126 )
- حديث ( ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين ، يعني يوم عاشوراء ، إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل ) الفوائد المجموعة ( ص457 )
د- الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة و الموضوعة :
1- ترك العمل بالآثار الصحيحة والثابتة والانشغال بالموضوعات والضعيفة التي لا تفيد : وأخطر من ذلك العمل بالأحاديث الموضوعة المخالفة للأحاديث الثابتة مثل حديث( لا سلام على طعام )
2- الوقوع في الشرك المخرج من الملة:مثل حديث (لو إعتقد أحدكم بحجر لنفعه)وفيه عبادة الأحجار
3- صرفُ الناس عن التوسل المشروع : مثل حديث (توسْلوا بجاهي فإنّ جاهي عند الله عظيم)
4- صرفُ الناس عن الصلاةِ والعباداتِ : مثل حديث(من لم تنهه صلاتُهُ عن الفحشاء والمنكر فلا صلاةَ له)
5- إنكار شيء من أصول الإعتقاد مثل حديث (لا مهدي إلا عيسى) وأحاديث المهدي متواترة .
وحديث(من مات مخضوباً لم يدخل القبر إلا ومنكر ونكيرُ لا يسألانه)الفوائد المجموعة (ص213)
6- إنتشار البدع بين المسلمين : ومن الأمثلة :
- حديث(من شمَّ البخور فليصلِّ عليّ َ) بدعـة
– حديث(إذا نزل أحدكم منزلاً فقال فيه،فلا يرحل حتى يصلّي ركعتين)ضعيف الجامع(705)
- حديث(من زار قبر والديه كلَّ جمعةٍ فقرأ عندها يس غفر له بعدد كلِّ آيةٍ وحرف)
- حديث ( إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ، وليصلِّ عليَّ ، وليقل ، ذكر الله من ذكرني بخير)ضعف الجامع(586)
- حديث(الوضوء قبل الطعام ينفي الفقرَ)الفوائد المجموعة(ص175)
- حديث(من حجَّ البيتَ ولم يزرني فقد جفاني)
7- إدخال أمرٍ من الإيمان ليست منه:مثل حديث(حبُّ الوطن من الإيمان) لأنه قد يكون الوطنُ كافراً.
8- إختراع أصولٍ في الجزاءِ والحسابِ ما أنزل الله بها من السلطان :
مثل حديث(إنَّ الله تعالى لا يعذبُ حسان الوجوه) وحديث (لا يدخل النارَ من إسمهُ محمد أو أحمد)
9- تأصيل أصولٍ مخالفةٍ للشريعةِ : مثل حديث ( إختلاف أمتي رحمة) موضوع-ضعيف الجامع(230) وهو مخالفٌ للنصوص التي تذم الإختلاف .
قال إبن حزم ( وهذا من أفسدِ قولٍ يكون ، لأنه لو كان الإختلافُ رحمة كان الإتفاقُ سخطاً) الأحكام (5/64)
قال الألباني( وإن من آثار هذا الحديثِ السيئة أنّ كثيراً من المسلمين يقرّون بسببه الإختلاف الشديد الواقعَ بين المذاهبِ الأربعةِ ، ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة كما ولو كان من عند غير الله لوجدواأمرهم بذلك أئمتُهُم رضي الله عنهم … قال تعالى فالآية صريحةٌ على أنًّ الإختلافَ ليس من الله … ولو أنهمفيه إختلافاً كثيراً كانوا يرونَ الإختلاف شراً كما قال إبن مسعودٍ وغيرُه ودلت على ذمَّهِ النصوص لسَعَوْا إلى الإتفاق … ولكن لماذا هذا السعيُ وهم يرونَ أنَّ الإختلافَ رحمة … ) الضعيفة(1/76)
10 –تحريم أشياء حللها الله : مثل أحاديث تحريم لحم البعير، ومثل حديث ( تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن ) الفوائد المجموعة (صـ155)
11- وهكذا من آثار الأحاديث الموضوعة :
- نشر اعتقادات فاسدة والتشجيع على أمور من المفاسد في الأخلاق .
- تشويه صورة الصحابة والأئمة مثل حديث ثعلبة بن حاطب ( حمامة المسجد)
وأخيــراً :
هـ- موقف المسلم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة :
- لا يجوز العمل بها ولا تصديقها ولا تعليمها للناس إلا بغرض التحذير منها .
- التثبت من الأحاديث التي يسمعها في خطبة الجمعة والدروس إلا من عالم يتحرى الصحة في نقله .
- تجنب الكتب غير المحققة وغير مخرجة الأحاديث من الثقات .
- سؤال أهل العلم عن صحة الأحاديث أو ضعفها .
- الإكثار من قراءة الصحيحين والسلسلة الصحيحة وصحيح الجامع الصغير وغيرها . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وءاله وصحبه وسلم