.
المصدر / موقع الكتيبات الإسلامية
إصدار / دار القاسم
إهداء
إلى من عرفتها مربية مسئولة.. تنظر إلى طالباتها كطاقات بشرية مخزونة.. لا تفتأ تحاول اكتشافها واستغلالها لخدمة الدين والأمة..
إلى معلمتي التي وجهت قلمي الضعيف عبر حصص مادة التعبير الأسبوعية.. وقادته إلى طريق الحق والفضيلة..
إلى «عبير»..
مع صادق تقديري وامتناني..
الطعام الأخير
بقلق..
مضت نحو المطبخ..
وبخوف..
أخذت تبحث عما تحتاجه لإعداد طعامها المفضل..
لكن..
ومع انهماكها في العمل..
بعثرت المتعة مشاعر القلق والخوف في داخلها.. فلم يعد لهما أي أثر..
الطعام الأخير
صوت أذان المغرب وحده.. هو ما نبهها من هواجس متصلة منذ أدت فريضة صلاة العصر..
بجهد كبير.. نهضت متوجهة إلى القبلة، ودمعات هادئة تشق طريقها خلال خديها الأجعدين..
أنهت الفريضة وسنتها.. ثم عادت لتأخذ وضعها السابق كما هي عادتها دائمًا.. إذ لا شيء يمكنها أن تفعله إلا ما يستحيل منعها منه..
رتابة حمله تلك التي تُقيدها..
وفراغ قاس ذلك الذي يحيط بها..
لا عمل..
لا زيارات..
ولا حتى مجرد حديث ودي صادق!..
ترى؟!!
أي ضرر كان سيحدث لو أنها رافقتهم في نزهتهم البرية.. حتى لو تطلب الأمر أن تظل وحدها في السيارة.. وتترك لهم حرية الجلوس بمفردهم..
كم تشتاق لرؤية شمس الخلاء الصافية.. والتمتع بنسمات هوائه النقية..
يقول الجميع إن البراري اكتست بوشاح أخضر جميل بعد موسم الأمطار الغزير هذا العام..
لكنها هي وحدها من لم تر.. واكتفت بالسماع والتخيل..
يتتابع رنين الهاتف بإصرار.. فتنهض في مشقة نحوه لتجيب.. وتسعد بالصوت القديم..
من؟!!
أم سالم!
- نعم.. أم سالم.
- أهلاً وسهلاً ومرحبًا..
كيف حالك؟. وكيف حال الأولاد؟
- بخير ولله الحمد..
كيف حالك أنت؟.. وكيف حال خالد وأولاده؟
- بخير من الله ونعمة..
لكن أخبريني يا أم سالم؟؟
أين كنت طوال هذه الفترة؟!! شهران لا أسمع لك صوتًا!
- كنت في زيارة طويلة لابني عبد الله..
- ما شاء الله..
أكنت عند عبد الله؟!
- نعم..
وعندما أردت العودة.. أصر على أخذي للعمرة حيث بقينا هناك لأسبوع.. ثم جاء بي هنا عند سالم.
- أو اعتمرت يا أم سالم؟!!
ما شاء الله.. تقبل الله..
- منا ومنك إن شاء الله.
- إيه.. يا أم سالم..
كم تتوق نفسي للعمرة..
اشتقت لبيت الله وللصلاة فيه..
أعوام طويلة مرت.. منذ آخر مرة اعتمرت فيها..
- يعلم الله أنني تمنيت وجودك معي هناك..
- بارك الله فيك يا أم سالم.. وحفظ لك أبناءك وبارك فيهم..
- لكن ما هذا الهدوء يا أم خالد؟!
ليس من عادة بيتكم أن يكون هادئًا.. ألا يوجد سواك في المنزل؟!
- كلا.. لا يوجد سواي..
- وأين خالد والأولاد؟
- ذهبوا للبر منذ الصباح..
- ولماذا لم تذهبي معهم.. لا تقولي بأنها رفضت..
- لم يعرض علي الذهاب معهم.. وهذا يعني أنها لا تريدني أن أذهب..
- لكن هذا لا يجوز..
إلى متى تصبرين على هذه الحال؟!
ثم أين خالد؟!
كيف يسكت على تصرفات زوجته؟!!
- ومن يقول لك إنه يدري أصلاً؟
هو يظن أنني أنا من لا أرغب في الخروج أبدًا..
لقد عاهدتها على أن أتركها تحيا كما تشاء.. وأن لا أتدخل في شئونها أو شئون بيتها وأولادها..
بل إنني أصبحت أفعل ما تريده مني..
أعيش كما تريد..
آكل ما تريد.. وأشرب ما تريد..
أخرج متى ما أرادت.. وأبقى متى ما أمرت..
كل ذلك مقابل أن توافق على العيش معي.. وأن تتركني أتمتع برؤية ولدي أمام ناظري..
كانت عبارتها الأخيرة متقطعة خافتة.. وممزوجة بنشجيها الذي أخذ يزداد شيئًا فشيئًا وسط حوقلات صاحبتها..
- أحيانًا.. أشتهي شيئًا من طعامنا القديم.. وأود لو أذوق منه ولو لقيمات قليلة.. لكن.. حتى المطبخ منعتني من دخوله أو لمس غرض من أغراضه..
أنا لم أطلب منها يومًا أن تصنع لي شيئًا محددًا.. فما أريده وأشتهيه سأصنعه بنفسي.. فقط لو تسمح لي..
لكن..
حسبي الله ونعم الوكيل..
تصوري يا أم سالم..
منذ أن خرجوا منذ الصباح الباكر وحتى الآن.. لم أذوق لقمة واحدة.. اللهم بضع تميرات قلائل وجدتها في ركن المطبخ..
وأخشى لو صنعت لي شيئًا لآكله.. أن تغضب وتقيم الدنيا فوق رأسي..
- لا يا أم خالد.. لا..
لقد تجاوز الأمر حده..
ليس من المعقول أن تظلي طوال اليوم بلا طعام خشية من غضبها وحنقها.. رغم أنه كان من الواجب عليها أن تعد لك شيئًا لتأكليه على الأقل ما دامت ستقضي طوال النهار خارج المنزل.
اسمعي يا أم خالد..
الآن وحالاً.. تقومين وتصنعين لك شيئًا لتأكليه..
لابد أن تأكلي شيئًا.
- لكن يا أم سالم..
- لكن ماذا؟!
لا تقولي أخشى غضبها..
البيت بيت ولدك.. وهو بيتك وبيت زوجك رحمه الله قبل أن يكون لولدك وزوجته..
ثم أنك لن تصنعي شيئًا يذكر سوى وجبة بسيطة من الطعام.. يعود كل شيء بعدها إلى حاله..
هيا يا أم خالد.. هيا..
اذهبي واصنعي لك شيئًا لتأكليه.. وسأتصل بك بعد العشاء لأرى ماذا صنعت..
- أترين ذلك يا أم سالم؟
- أجل.. وليس غيره..، فليس من المعقول أن تظلي جائعةً إلى حين عودتهم..
ثم أنهم لن يعودوا قبل أن يملئوا بطونهم بما لذ وطاب.. وستبيتين ليلتك بلا طعام..
- حسنًا يا أم سالم..
سأفعل ما ترين..
- وكما قلت لك.. سأتصل بك بعد العشاء لأرى ماذا فعلت..
في أمان الله..
- في أمان الله..
يتبع
.